كتاب تفسير المنار (اسم الجزء: 9)

قِيلَ: مَقْلُوبٌ عَنِ الْأَهْلِ، وَيُصَغَّرُ عَلَى أُهَيْلٍ إِلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَعْلَامِ النَّاطِقِينَ دُونَ النَّكِرَاتِ، وَدُونَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ. يُقَالُ: آلُ فُلَانٍ، وَلَا يُقَالُ: آلُ رَجُلٍ، وَلَا آلُ زَمَانِ كَذَا أَوْ مَوْضِعِ كَذَا، وَلَا يُقَالُ: آلُ الْخَيَّاطِ، بَلْ يُضَافُ إِلَى الْأَشْرَفِ الْأَفْضَلِ، يُقَالُ: آلُ اللهِ وَآلُ السُّلْطَانِ، وَالْأَهْلُ يُضَافُ إِلَى الْكُلِّ، يُقَالُ: أَهْلُ اللهِ وَأَهْلُ الْخَيَّاطِ، كَمَا يُقَالُ: أَهْلُ زَمَنِ كَذَا وَبَلَدِ كَذَا. وَقِيلَ: هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ الشَّخْصِ، وَيُصَغَّرُ أُوَيْلًا، وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ اخْتِصَاصًا ذَاتِيًّا إِمَّا بِقِرَابَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بِمُوَالَاةٍ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ (3: 33) وَقَالَ: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 40: 46) قِيلَ: وَآلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقَارِبُهُ، وَقِيلَ: الْمُخْتَصُّونَ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ مُتَخَصِّصٌ بِالْعِلْمِ الْمُتْقَنِ وَالْعَمَلِ الْمُحْكَمِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: آلُ النَّبِيِّ وَأُمَّتُهُ، وَضَرْبٌ يَخْتَصُّونَ بِالْعِلْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْلِيدِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَا يُقَالُ لَهُمْ: آلُهُ، فَكُلُّ آلٍ لِلنَّبِيِّ أُمَّةٌ لَهُ، وَلَيْسَ كُلُّ أُمَّةٍ لَهُ آلَهُ. وَقِيلَ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ ـ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ ـ: النَّاسُ يَقُولُونَ: الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ آلُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: كَذَبُوا وَصَدَقُوا، فَقِيلَ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: كَذَبُوا فِي أَنَّ الْأُمَّةَ كَافَّتَهُمْ آلُهُ، وَصَدَقُوا فِي أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا بِشَرَائِطِ شَرِيعَتِهِ آلُهُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ (40: 28) أَيْ: مِنَ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ وَبِشَرِيعَتِهِ وَجَعَلَهُ مِنْهُمْ مَنْ حَيْثُ النَّسَبُ أَوِ الْمَسْكَنُ، أَوْ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُ الْقَوْمِ أَنَّهُ عَلَى شَرِيعَتِهِمْ اهـ.
بَعْدَ هَذَا نَقُولُ: إِنَّ آلَ فِرْعَوْنَ أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُمْ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مُحْتَمِلٍ لِغَيْرِهِمْ، فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (28: 8) وَالثَّانِي قَوْلُهُ: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ (40: 28) وَأُطْلِقَ كَثِيرًا بِمَعْنَى مَلَئِهِ، وَخَاصَّةً أَتْبَاعُهُ أَوْ جُمْلَتُهُمْ كَقَوْلِهِ: وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ (2: 50) أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (40: 46) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ (2: 49) وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (40: 45) وَلَقَدْ جَاءَ آلُ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (54: 41) كَذَلِكَ كَثُرَ ذِكْرُ مَلَأِ فِرْعَوْنَ فِي إِرْسَالِ مُوسَى إِلَيْهِمْ، وَمَا دَارَ بَيْنَ فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْمَلَأِ، وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَرِجَالُ دَوْلَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْلَا أَنْ وَرَدَ ذِكْرُ قَوْمِهِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ لَحَمَلْنَا الْآلَ فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَفِي أَمْثَالِهَا عَلَيْهِمْ دُونَ سَائِرِ قَوْمِهِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ قِصَّةِ مُوسَى مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (26: 10، 11) وَقَالَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (44: 17) إِلَخْ. وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ عَامَّةَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَنَالُهُمْ مِنْ عَذَابِ الْأَخْذِ بِالسِّنِينَ وَنَقْصِ الثَّمَرَاتِ مَا لَا يَنَالُ

الصفحة 75