كتاب تفسير المنار (اسم الجزء: 11)

فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَا مَنْزِلُكَ، قَالَا: وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ)) اهـ
فَهَذَا تَمْثِيلٌ فِي الرُّؤْيَا لِتَحْسِينِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَتَجْمِيلِهِ لِلنَّفْسِ وَتَشْوِيهِ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ لَهَا، وَلِتَطْهِيرِهَا، بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى تَكُونَ كُلُّهَا حَسَنَةً جَمِيلَةً وَأَهْلًا لِدَارِ الْكَرَامَةِ بَعْدَ أَنْ تُبْعَثَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّوْبَةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (11: 114) وَشَبَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِنَهْرٍ يَفِيضُ عَلَى عَتَبَةِ الْإِنْسَانِ خَمْسَ مَرَّاتٍ كُلَّ يَوْمٍ ((فَهَلْ يُبْقِي عَلَيْهَا وَسَخًا أَوْ قَذَرًا)) ؟
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي بَيَانِ فَوَائِدِ صَدَقَةِ الْأَمْوَالِ وَمَنَافِعِهَا، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا وَعَلَى التَّوْبَةِ لِمَنْ قَصَّرَ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ، أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ. وَفِي الْحَثِّ عَلَى الْعَمَلِ، وَكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ.
أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ وَأَصْحَابَهُ جَاءُوا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أُطْلِقُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا وَاسْتَغْفِرْ لَنَا، فَقَالَ: ((مَا أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا)) فَأَنْزَلَ اللهُ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ آبَائِهِ وَزَادَ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُزْءًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ وَلَهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى. وَهَذَا النَّصُّ حُكْمُهُ عَامٌّ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ خَاصًّا، عَامٌّ فِي الْآخِذِ يَشْمَلُ خُلَفَاءَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِهِ وَمِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الْمُوسِرُونَ، قَالَ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: وَهَذَا عَامٌّ وَإِنْ عَادَ الضَّمِيرُ فِي: (أَمْوَالِهِمْ) إِلَى الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا. وَلِهَذَا اعْتَقَدَ بَعْضُ مَانِعِي الزَّكَاةِ

الصفحة 19