كتاب تفسير المنار (اسم الجزء: 11)

أَنْ يُجْعَلَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ فَيُسْرَدَ مَعَهُ. وَأَقْوَى مِنْهُ عِنْدِي أَنَّهُ وَصْفٌ جَامِعٌ لِلتَّكَالِيفِ عَامَّةً، وَالْمَنْهِيَّاتِ خَاصَّةً، وَالسَّبْعَةُ الْمَسْرُودَةُ قَبْلَهُ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ، وَلَا يَحْصُلُ الْكَمَالُ لِلْمُؤْمِنِ بِهَا إِلَّا مَعَ اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُلَاحَظُ فِي حِفْظِ حُدُودِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) (2: 187) (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (2: 229) (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (65: 1) وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى نَظْمِ الْآيَةِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلِينَ الَّذِينَ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى هُمُ الْمُتَّصِفُونَ بِالصِّفَاتِ السَّبْعِ، وَالْحَافِظُونَ مَعَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ حُدُودِ اللهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا فِي عُرْفِ هَذَا الْعَصْرِ بِقَوْلِهِمْ: ((الْمَثَلُ الْأَعْلَى)) وَيُطْلِقُونَهُ عَلَى الْأَفْرَادِ النَّابِغِينَ فِي بَعْضِ الْفَضَائِلِ الْعَامَّةِ، وَعَلَى الْجَمَاعَاتِ وَالْأُمَمِ الرَّاقِيَةِ، وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ ((الْمَثَلُ)) فِي كَذَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا) (43: 57) وَقَالَ: (وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) (43: 59) أَوْ يُقَالُ: مَثَلٌ عَالٍ، أَوْ مَثَلٌ شَرِيفٌ. وَأَمَّا الْأَعْلَى فَهُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا قَالَ عَنْ نَفْسِهِ: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (16: 60) وَقَالَ: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (30: 27) .
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِمْ أَنَّهُمُ الْحَافِظُونَ لِجَمِيعِ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى. وَخُصَّتْ تِلْكَ الْخِلَالُ السَّبْعُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تُمَثَّلُ فِي نَفْسِ الْقَارِئِ أَكْمَلَ مَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ بِهِ مُحَافِظًا عَلَى حُدُودِ اللهِ تَعَالَى.
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) .

الصفحة 45