كتاب تفسير المنار (اسم الجزء: 12)
وَطه وَالْأَنْبِيَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالْقَصَصِ، أَوْ فَاتِحَةٌ هِيَ بَرَاعَةُ مَطْلَعٍ وَخَاتِمَةٌ هِيَ بَرَاعَةُ مَقْطَعٍ، كَهُودٍ وَالصَّافَّاتِ وَ ((ص)) وَفِي قِصَّةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُورَةٌ فِي الْمُفَصَّلِ خَاصَّةٌ بِهِ وَبِقَوْمِهِ سُمِّيَتْ بِاسْمِهِ عَلَى تَكْرَارِهَا فِي السُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَكَذَلِكَ سُورَةُ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَاصَّةٌ بِقِصَّتِهِ. كَمَا أَنَّ سُورَتَيْ طه وَالْقَصَصِ فِي قِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحْدَهَا، عَلَى كَثْرَةِ تَكْرَارِهَا فِي غَيْرِهِمَا.
بَيْدَ أَنَّ التَّحَدِّيَ بِالسُّوَرِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَصُ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّحَدِّي بِهَا كُلِّهَا، لَا بِالْقِصَصِ الَّتِي فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ سُوَرٍ وَلَا خَمْسٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ سِوَاهَا، وَأَنَّ أَكْثَرَ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَصُ الْحَقِيقِيَّةُ وَسَطٌ بَيْنَ الطُّولِ وَالْمُفَصَّلِ، فَالْأُولَى مِنْهَا فِي الْمُصْحَفِ وَهِيَ الْأَعْرَافُ مِنَ السَّبْعِ الطِّوَالِ وَآيَاتُهَا 206، وَآيَاتُ الْقِصَصِ فِيهَا 112 آيَةً، وَقَبْلَهَا قِصَّةُ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَافْتِتَاحُهَا وَخِتَامُهَا فِي دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَهَا فِيهِ سُورَةُ يُونُسَ، وَهِيَ 109 آيَاتٍ وَقَصَصُهَا 23 آيَةً، وَتَتْلُوهَا سُورَةُ هُودٍ، وَآيَاتُهَا 123 أَكْثَرُهَا فِي الْقَصَصِ، وَهِيَ أَشْبَهُ السُّوَرِ بِهَا فِي فَاتِحَتِهَا وَخَاتِمَتِهَا وَتَحَدِّيهَا فِي إِبْطَالِ الِافْتِرَاءِ، وَالْمَأْثُورُ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَهَا مُتَمِّمَةً لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ، فَجُمْلَةُ مَا نَزَلَ قَبْلَ سُورَةِ هُودٍ مِنْ سُوَرِ الْقَصَصَ: الْأَعْرَافُ وَيُونُسُ وَمَرْيَمُ وَهِيَ 98 آيَةً، وَطه وَهِيَ 135 وَالطَّوَاسِينُ: الشُّعَرَاءُ وَهِيَ 227 وَالنَّمْلُ وَهِيَ 93 وَالْقَصَصُ وَهِيَ 88 وَآيَاتُهُمَا أَطْوَلُ مِنْ آيَاتِ
الشُّعَرَاءِ وَنَزَلْنَ مُتَعَاقِبَاتٍ. وَيَلِيهِنَّ سُورَةُ الْقَمَرِ وَهِيَ 55 آيَةً وَسُورَةُ ((ص)) وَهِيَ 88 آيَةً وَقَدْ نَزَلَتَا مُتَعَاقِبَتَيْنِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ، فَهَذِهِ تِسْعُ سُوَرٍ، وَسُورَةُ هُودٍ هِيَ الْعَاشِرَةُ لَهُنَّ.
مَزَايَا قِصَصِ الْقُرْآنِ فِي إِعْجَازِ عِبَارَاتِهَا:
وَجَمِيعُ هَذِهِ السُّوَرِ تَخْتَلِفُ أَنَاظِيمُ سُوَرِهَا فِي أَوْزَانِهَا وَفَوَاصِلِهَا، وَفِي أَسَالِيبِ الْكَلَامِ فِيهَا، مَعَ اتِّفَاقِهَا وَتَشَابُهِهَا فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ الْبَيَانِيَّةِ، فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ، وَالْقَصْرِ وَالْحَصْرِ، وَمَوَاضِعِ حُرُوفِ الْعَطْفِ، وَصِيَغِ الِاسْتِفْهَامِ وَالنَّفْيِ وَالشَّرْطِ، وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ، وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَدَرَجَاتِ التَّأْكِيدِ، وَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ، وَالْعُمُومِ وَالتَّخْصِيصِ، وَالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، وَالْإِيجَازِ وَالتَّطْوِيلِ، وَالْحَذْفِ وَالتَّكْرِيرِ، وَفُنُونِ الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ التَّعْبِيرِ، كَالِالْتِفَاتِ وَالتَّضْمِينِ، وَصِيَغِ الْأَفْعَالِ وَتَعْدِيَتِهَا، وَالْقِرَاءَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا، فَإِنَّ لِعِبَارَاتِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنَ الدِّقَّةِ الْغَرِيبَةِ، وَالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ، مَا لَا يَقْرَبُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ بُلَغَاءِ الْبَشَرِ، وَمِنْ شَأْنِ اخْتِلَافِ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ فِيهِ أَنْ تَتَعَارَضَ وَتَتَنَاقَضَ بِتَعَدُّدِ التَّكْرَارِ وَهِيَ مَحْفُوظَةٌ مِنْهُ، وَقَدْ عَرَضْتُ لِنُكَتِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهَا فِي الْمُقَابَلَةِ الَّتِي أَوْرَدْتُهَا فِي قِصَصِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ مَعَ غَيْرِهَا.
الصفحة 34
336