كتاب تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد

وَلَعَلَّ طَرِيق الْجمع بَين النقلين أَن يكون مُرَادهم بِالْأولِ الْعِبَادَات وبالمنع الْعُقُود كَمَا قيد ابْن شَاس بِهِ كَلَامه فَيكون هَذَا مُوَافقا لما ذهب إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَغَيره من التَّفْرِقَة بَين الْبَابَيْنِ
وَقد تقدم أَن الْقَرَافِيّ ذكر فِي كتبه أَن مَذْهَب الْمَالِكِيَّة أَنه يُفِيد الْفساد على وَجه تثبت مَعَه شُبْهَة الْملك وَجعل هَذَا قولا فِي الْمَسْأَلَة على الْإِطْلَاق ثمَّ ذكر فِي أثْنَاء كَلَامه مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاص ذَلِك بالبيوع الْفَاسِدَة خَاصَّة فَإِنَّهُم قَالُوا إِن الْملك لَا ينْتَقل لمُجَرّد العقد الْفَاسِد وَلَا باتصال الْقَبْض بِهِ إِلَّا أَن يتعقبه الْفَوات فَينْتَقل حِينَئِذٍ الْملك إِلَى المُشْتَرِي الَّذِي فَاتَ فِي يَده وَيجب عَلَيْهِ ضَمَانه إِمَّا بِالْمثلِ إِن كَانَ مثلِيا أَو بِالْقيمَةِ
وَأَسْبَاب الْفَوات عِنْدهم أَرْبَعَة تغير الذَّات وَتغَير الْملك وَالْخُرُوج عَن الْيَد بِالْبيعِ وَتعلق حق الْغَيْر بِهِ فَهَذِهِ الْأَسْبَاب إِنَّمَا تَجِيء فِي المبيعات خَاصَّة
ثمَّ إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يعد هَذَا مِنْهُم خلافًا فِي أَن النَّهْي يدل على الْفساد لأَنهم صَرَّحُوا بِأَنَّهُ عقد فَاسد وَإِنَّمَا حَقِيقَة هَذَا الِاخْتِلَاف رَاجِعَة إِلَى تَفْسِير الْفساد مَاذَا كَمَا جَاءَ فِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَلِهَذَا أوجبوا رد الْعين إِذا كَانَت غير تالفة وَعند التّلف لم يقرروا الثّمن الَّذِي ورد العقد عَلَيْهِ بل أوجبوا الْمثل أَو الْقيمَة كضمان الغصوب وَنَحْوهَا فَلم ينشأ ذَلِك إِلَّا من شُبْهَة العقد وَإِذن البَائِع للْمُشْتَرِي فِي قبض الْمَبِيع وَالتَّصَرُّف فِيهِ

الصفحة 98