كتاب التحف في مذاهب السلف ط الصحابة

وربحوا الخلوص من هَذَا التَّمَنِّي والسلامة من هَذِه التهنئة للعامة فَإِن الْعَاقِل لَا يتَمَنَّى رُتْبَة مثل رتبته أَو دونهَا وَلَا يهنى لمن هُوَ دونه أَو مثله وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لمن رتبته أرفع من رتبته ومكانه أَعلَى من مَكَانَهُ فيا لله الْعجب من علم يكون الْجَهْل الْبَسِيط أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ وَأفضل مقدارا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَهل سمع السامعون مثل هَذِه الغريبة أَو نقل الناقلون مَا يماثلها أَو يشابهها وَإِذا كَانَ حَال هَذِه الطَّائِفَة الَّتِي قد عرفناك أخف هَذِه الطوائف تكلفا وأقلها تبعة فَمَا ظَنك بِمَا عداها من الطوائف التي قد ظهر فَسَاد مقاصدها وَتبين بطلَان مواردها ومصادرها كالطوائف الَّتِي أَرَادَت بالمظاهر الَّتِي تظاهرت بهَا كيد الْإِسْلَام وَأَهله وَالسَّعْي فِي التشكيك فِيهِ بإيراد الشّبَه وَتَقْرِير الْأُمُور المفضية إِلَى الْقدح فِي الدّين وتنفير أَهله عَنهُ وَعند هَذَا تعلم أَن
خير الْأُمُور السالفات على الْهدى ... وَشر الْأُمُور المحدثات الْبَدَائِع
وَأَن الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ خير الْقُرُون ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وَقد كَانُوا رَحِمهم الله وأرشدنا إِلَى الِاقْتِدَاء بهم والاهتداء بهديهم يَمرونَ أَدِلَّة الصِّفَات على ظَاهرهَا وَلَا يتكلفون علم مَا لَا يعلمُونَ وَلَا يتأولون وَهَذَا الْمَعْلُوم من أَقْوَالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لَا يشك فِيهِ شَاك وَلَا يُنكره مُنكر وَلَا يُجَادِل فِيهِ مجادل وَإِن نَزغ بَينهم نازغ أَو نجم فِي عصرهم ناجم أوضحُوا للنَّاس أمره وبينوا لَهُم أَنه على ضَلَالَة وصرحوا بذلك فِي المجامع والمحافل وحذروا النَّاس من بدعته كَمَا كَانَ مِنْهُم لما ظهر معبد الْجُهَنِيّ وَأَصْحَابه وَقَالُوا إِن الْأَمر أنف وبينوا ضلالته وَبطلَان مقَالَته للنَّاس فحذروه إِلَّا من ختم الله على قلبه وَجعل على بَصَره غشاوة

الصفحة 17