كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (اسم الجزء: 2)
لتقاربهما في المنزع، وبعدهما عن الغوص على دقائق الفقه، بخلاف المزني وابن عبد الحكم ولولا أن كان راويه ابن عيينة لكان الناس استغنوا عنه وعن حديثه لبذاءة لسانه» .
أقول: الحميدي هو الذي اعتمد صحبة الشافعي وفي كتاب ابن أبي حاتم ج3 قسم 2 ص 202 عن الحميدي أنه يقول: «كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بمكة على سفيان بن عيينة فقال لي ذات يوم: ههنا رجل من قريش له بيان ومعرفة. قلت: ومن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. وكان أحمد بن حنبل قد جالسه في العراق. فلم يزل حتى اجترني إليه ودارت مسائل، فلما قمنا قال لي أحمد بن حنبل: كيف رأيت؟ ألا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان؟ فوقع كلامه في قلبي فجالسته فغلبتهم عليه ... وخرجت مع الشافعي إلى مصر» وكان الشافعي قد استكثر من ابن عيينة فلم يكن به حاجة إلى الحميدي ولا غيره، وزعم طمع الحميدي أن يخلف الشافعي بمصر من مخلوقات الأستاذ ليس عليه أدنى شبهة بل كان الحميدي مكيناً بمكة مؤثراً لها، وإنما فارقها تلك المدة إلى مصر إيثاراً لصحبة الشافعي، فكان أقصى همه أن يعود إليها ودعوى بعده عن الفقه مخلق آخر. إنما كان الغالب على الحميدي الحديث، وقد صحب ابن عيينة وأخذ من أخلاقه، وقد تقدم قول الشافعي في ابن عيينة: «ما رأيت أحداً من الناس فيه من آلة العلم ما في ابن عيينة، وما رأيت أحداً أكف عن الفتيا منه» ولعل هذين الأمرين إيثاره الرجوع إلى مكة، وعدم التبسط في الفتوى، من الأسباب التي منعت ترشيحه لخلافة الشافعي.
وحكايته عن الشافعي أن البويطي أحق الجماعة كانت برسالة من الشافعي وهو حي بالقرب منهم يمكنهم مراجعته كما تقدم في القصة نفسها، ومحاولة الأستاذ أن يري القارئ أن الحميدي إنما أخبر بذلك بعد وفاة الشافعي مخلوق آخر من مخلوقاته! وتكذيب ابن عبد الحكم له إن صح طيشة فتى غر محنق كما سلف،
الصفحة 512
992