كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (اسم الجزء: 2)
البويطي عن الغوص مخلوق آخر فقد كان الشافعي يحيل عليه بالفتوى في حياته وإن كان أقل مخالفة له من المزني، والمزني لم يكن عند وفاة الشافعي يحيل عليه بالفتوى في حياته وإن كان أل مخالفة له من المزني، والمزني لم يكن عند وفاة الشافعي في حد أن يصلح لخلافته كما يعلم من قول الشافعي له: «وليأتين عليك زمان ... » وكانت سنه عند وفاة الشافعي دون الثلاثين وكأنه إنما صحب الشافعي بأخرة فإنه استعان على ما فاته عن الشافعي بكتاب الربيع كما مر في ترجمة الشافعي. فأما ابن عبد الحكم فكان دون ذلك بكثير كما يعلم مما مر.
ولم ير الأستاذ في تخرصاته بعد عنائه الطويل ما يغتر به عاقل فأردف ذلك بحاشية علقها على ص 131 أعاد فيها بعض ما تقدم وحاول الاستنساخ على ذلك الأسلوب فلا أطيل بذكر ذلك وما عليه، لكن زاد فيها ما قيل: أن البويطي لما حبس قال: «بريء الناس من دمي إلا ثلاثة حرملة والمزني وآخر» . وقال بعضهم أنه أراد بالآخر ابن الشافعي. فالحكاية ذكرها السبكي بقوله: «قال أبو جعفر الترمذي فحدثني الثقة عن البويطي أنه قال ... » ولا أدري كيف سندها إلى أبي جعفر ومن شيخ أبي جعفر أثقة كان حقاً أم لا، أسمع من البويطي أم بلغه عنه، والحكاية منكرة، لأن ألئك الثلاثة إن كانوا سعوا به كما قيل فالمباشر لترحيله من مصر وتقييده وحبسه غيرهم فكيف يبرئ المباشرين لظلمه دون الساعين؟ وأيضاً فلا موضع للسعي لأن قضاة مصر الحنفية الجهمية كانوا يتبعون كل من عرف بعلم أو فقه فيكرهو نه على القول بخلق القرآن وشمل ذلك جميع علماء الشافعية والمالكية بمصر. وأشبه ما تحمل عليه الحكاية إن صحة هو أن يكون الجهمية حينئذ إنما كانوا يتعرضون لمن جاهر بالإنكار عليهم وأعلن منابذتهم وتضليلهم، وكان البويطي يؤثر عدم المجاهرة فجاهر أولئك الثلاثة فأدى ذلك إلى قبض الجهمية على البويطي باعتبار أنه رئيس الجماعة والمعروف عن أولئك الثلاثة عقيدة أهل السنة.
وكأن الأستاذ يقيس أصحاب الشافعي على أصحاب أبي حنيفة إذا كذب أبو يوسف محمداً تكذيباً صريحاً فيما يرويه عنه ما في كتب الحنفية كـ (شرح السير الكبير) ج 1 ص3 إذ ذكر الوحشة التي كانت بين أبي يوسف ومحمد ثم قال: «وسببها الخاص ما يحكى أنه جرى ذكر محمد رحمه الله في مجلس الخليفة فأثنى عليه
الصفحة 514
992