كتاب التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (اسم الجزء: 2)

الخليفة فخاف أبو يوسف أن يقربه فخلا به وقال: أترغب في قضاء مصر؟ فقال محمد: ما غرضك في هذا؟ فقال: قد ظهر علمنا بالعراق وأحب أن يظهر بمصر. فقال محمد: حتى أنظر. وشاور في ذلك أصحابه فقالوا له: ليس غرضه قضاؤك ولكن يريد أن ينحيك عن باب الخليفة. ثم أمر الخليفة أبا يوسف أن يحضره مجلسه، فقال أبو يوسف: إن به داءً لا يصلح معه لمجلس أمير المؤمنين. فقال: وما ذاك؟ قال: به سلس البول بحيث لا يمكنه استدامة الجلوس. فقال الخليفة: فأذن له بالقيام عند حاجته. ثم خلا بمحمد رحمه الله وقال: إن أمير المؤمنين يدعوك، وهو رجل ملول فلا تطل الجلوس عنده، وإذا أشرت إليك فقم ... ولما مات أبو يوسف رحمه الله لم يخرج محمد رحمه الله في جنازته» .
لكن الفرق يا أستاذ واضح كان إمام أبي يوسف ومحمد مجلس الرشيد وملاذ الدنيا وبدر الدنانير وتخوت الثياب وغير ذلك، ولم يكن أمام البويطي شيء من ذلك، إنما أمامه مخالفة المالكية والجهمية والدولة واحتاج أن ينفق من صلب ماله وقوت عياله حتى ختم الله له على أيدي أصحابك بالحسنى وزيادة.
من ثناء الأئمة على الحميدي قال الإمام أحمد «الحميدي إمام» وقال أبو حاتم: «هو أثبت الناس في ابن عيينة، وهو رئيس أصحابه، وهو ثقة إمام» وقال يعقوب بن سفيان: «ثنا الحميدي وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه» .
فأما شدة الحميدي على أبي حنيفة فاضطره إليها ما بلغه عنه مما ذكر بعضه في الترجمة وقد صرح الأستاذ نفسه ص 36 في بعضها أنه كفر صرخ، وتلك الحكاية سمعها الحميدي من حمزة بن الحارث بن عمير يرويها عن أبيه أنه سمعها من أبي حنيفة. وقد روى رجاء بن السندي - وقد تقدمت ترجمته - عن حمزة بن الحارث عن أبيه نحوها كما في الترجمة، وحمزة ثقة عندهم وكذلك أبوه عند القدماء كما تقدم في ترجمته فكان ثقة عند الحميدي، فكان عند الحميدي أن الحكاية صحيحة. وسمع الحميدي أبا صالح الفراء وهو محبوب بن موسى يحدث عن الفزاري وهو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث قال: قال أبو حنيفة: «إيمان آدم وإيمان إبليس واحد ... » وقد قال عثمان بن سعيد الدارمي: ثنا محبوب بن

الصفحة 515