كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن

في النار؟ وجوابنا ان معناه أ فمن كان في الجنة التي مثلها هذا المثل ووصفها هذا الوصف كمن هو في النار وفي الكلام حذف لما فيه الدلالة على ذلك.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ) كيف يصح أن يقول ذلك لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم وعلمه به متقدم مستقر؟ وجوابنا أن المراد الثبات على هذا العلم في المستقبل فان قيل فكيف قال (وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) وهو مغفور له. وجوابنا أن يجتهد في التوبة من ذنبه لعظم منزلته لأن حال الانبياء فيما يقدمون عليه أعظم من حال غيرهم.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وأَمْلى لَهُمْ) كيف يصح أن يملي لهم والاملاء هو الابقاء ولا يصح أن يكون إبقاؤهم من قبله بل هو من قبله تعالى؟ وجوابنا أن (سَوَّلَ لَهُمْ) المراد به زين لهم المعاصي والمراد بقوله (أُمْلِي لَهُمْ) أنه غرّهم بأن بسط لهم في الآمال وغلب في قلبهم أنهم يبقون فيتلافون وفي السورة أدلة على مذهبنا منها قوله تعالى (وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بالَهُمْ) فان ذلك يدل على ان الهدى قد يكون إلى الثواب لأنه بعد القتل لا يصح سواه وهو معنى قوله (وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) أي طيبها لهم وقوله (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) يدل على ان الضلال قد يكون الا هلاك ولذلك قال (وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ومنها قوله (وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) فانه يدل على أن الالطاف والأدلة والخواطر التي ترد على المؤمن توصف بأنها هدى وأن للمؤمنين من الحظ في ذلك ما ليس لغيرهم ومنها قوله تعالى (أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) فانه يدل على وجوب النظر وعلى ان التدبر فعلهم فأما قوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ) فالمراد بالمرض ليس هو الكفر بل هو ما لحقهم بظهور أمر

الصفحة 390