كتاب تنزيه القرآن عن المطاعن

والاسلام واحد والا كان لا يكون لمن نفى من المسلمين تعلق بمن أخرج من المؤمنين.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) أ ليس ذلك يدل على جواز الجوارح على اللّه تعالى؟ وجوابنا ان المراد به القوّة والقدرة ولو لا ذلك لوجب إثبات أيدي كثيرة له تعالى عن ذلك.
[مسألة]
وربما قيل ما معنى قوله تعالى (وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) وفي الاشياء ما لا زوج له كالجمادات وغيرها. وجوابنا أنه لا شيء الا وقد خلق اللّه تعالى ما يخالفه بعض المخالفة ليدل بذلك على قدرته ولتتكامل به نعمته وهذا كالذّكر والأنثى وكما نعلمه في الثمار والفواكه وكالليل والنهار وكالحجر الصلب والرخو من الاشياء وذلك تنبيه من اللّه تعالى على عظم قدرته وانعامه فلذلك قال تعالى (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فأما قوله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) فلا يدل على أنه تعالى في مكان بل المراد الفرار إلى طاعته وعبادته والتخلص من عقابه فلذلك قال تعالى (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) فأما قوله جل وعز (وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فدلالة على أنه تعالى أراد من جميعهم عبادته وأنه خلقهم لذلك لا كما يقوله المخالف من أنه أراد من المؤمنين الايمان ومن الكافرين الكفر وأنه خلق بعضهم للنار وبعضهم للجنة وقد بينا أن قوله تعالى (وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ) لا يعارض ذلك لان المراد ذرأناهم للعبادة لكن مصيرهم الى جهنم من حيث لم يختاروها فهذه اللام لام العاقبة كقوله عز وجل (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وحَزَناً) وقوله من بعد (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) فالمراد به وصفه بالاقتدار على الامور لا أن المراد اثبات قوة له تعالى اللّه عن الحاجة علوّا كبيرا ولو كان المراد ظاهره لوجب مع قوته أن يوصف بالمتانة التي هي الصلابة وذلك من صفات الاجسام.

الصفحة 402