كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)

وأشْكُرُ الأستاذَ الفاضِلَ/ سعد بن صالح الطويل، وكيلَ عِمادةِ شُؤون المكتبات بجَامِعَةِ الإمامِ محمد بن سعود الإسلامية سَابِقًا، والأستاذ الفاضل/ صالح الحجي، مُدِير قِسْمِ المخطوطات بجامعة الملك سُعُود، وأشْكُرُ كُلّ أخٍ ساعدنِي أو شَجَّعنِي لمواصلة طريقِي.
واللهَ أسْألُ أنْ يَنْفعَ به الجميعَ، وأنْ يجْعَلَهُ خالصًا لِوجْهِهِ الْكَرِيم، وأنْ يَكُونَ من الثَّلاث التي يَنْقطِعُ عَمَلُ ابْنِ آدمَ إذا مات إلا مِنْها، وأنْ يكْتُبَ لجميع من أسْهَمَ فيه الأجْرَ والمثوبَةَ، إنه وَلِيُّ ذلك والقادِرُ عليه، وصَلَّى اللهُ وسَلَّمَ على نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِه أجْمَعينَ. وكتبه:
سامي بن محمد بن عبد الرحمن بن سلامة
الرياض: 5/ 5/ 1417هـ
فَصْلٌ
إِذَا لَمْ تَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا وَجَدْتَهُ عَنِ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ رَجَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ التَّابِعِينَ، كَمُجَاهِدِ بْنِ جَبْر (1) فَإِنَّهُ كَانَ آيَةً فِي التَّفْسِيرِ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَرضْتُ الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ، مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ، وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا (2) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا طَلْق بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَة قَالَ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَمَعَهُ أَلْوَاحُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اكْتُبْ، حَتَّى سَأَلَهُ عَنِ التَّفْسِيرِ كُلِّهِ (3) . وَلِهَذَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ (4) .
وَكَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، وعِكْرِمة مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، ومسروق ابن الْأَجْدَعِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزاحم، وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَتُذْكَرُ أَقْوَالُهُمْ فِي الْآيَةِ فَيَقَعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَبَايُنٌ فِي الْأَلْفَاظِ، يَحْسَبُهَا مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ اخْتِلَافًا فَيَحْكِيهَا أَقْوَالًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنِ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنُصُّ عَلَى الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، وَالْكُلُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمَاكِنِ، فَلْيَتَفَطَّنِ اللَّبِيبُ لِذَلِكَ، وَاللَّهُ الْهَادِي.
وَقَالَ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَغَيْرُهُ: أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ لَيْسَتْ حُجَّةً؟ فَكَيْفَ تَكُونُ حُجَّةً فِي التَّفْسِيرِ؟ يَعْنِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ، وَهَذَا صَحِيحٌ، أَمَّا إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يُرْتَابُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَلَا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى لُغَةِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ أَوْ عُمُومِ لُغَةِ الْعَرَبِ، أَوْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ.
فَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَحَرَامٌ، لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " (5) .
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُسَدَّد، عَنْ أَبِي عَوَانة، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، بِهِ (6) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حسن.
__________
(1) في جـ، ط: "جبير".
(2) رواه الطبري في تفسيره (1/ 90) .
(3) تفسير الطبري (1/90) .
(4) رواه الطبري في تفسيره (1/ 91) من طريق أبي بكر الحنفي سمعت سفيان فذكره.
(5) تفسير الطبري (1/ 77) .
(6) سنن الترمذي برقم (2952) وسنن النسائي الكبرى برقم (84 80) وسنن أبي داود برقم (3652) ، والحديث مداره على عبد الأعلى بن عامر قال أبو زرعة: ضعيف، وتركه ابن مهدي.

الصفحة 10