كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)

اللوحة الأولى من نسخة "ف"
الصُّورَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُمِرْتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " بِعَزْلٍ؛ لِأَنَّ الْمِرَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ، فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ أَوْجَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمِرَاءِ فِي الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْكُفْرَ، كَمَا تَقَدَّمَ (1) .
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عَقِيلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عبدٍ الْقَارِئَ حَدَّثَاهُ (2) " أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يقرأنيها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَبَصَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ"، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ"، ثُمَّ قَالَ: "اقْرَأْ يَا عُمَرُ"، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ. إِنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " (3) .
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ -أَيْضًا-وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ (4) وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -أَيْضًا-عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ، عَنْ عُمَرَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ (5) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ فَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيَّ قَالَ: فَاجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: "قَدْ أَحْسَنْتَ". قَالَ: فَكَأَنَّ عُمَرَ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عُمَرُ، إِنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ صَوَابٌ، مَا لَمْ يُجْعَلْ عَذَابٌ مَغْفِرَةً أَوْ مَغْفِرَةٌ عَذَابًا " (6) .
وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ. وَحَرْبُ بْنُ ثَابِتٍ هَذَا يُكَنَّى بِأَبِي ثَابِتٍ، لَا نَعْرِفُ أَحَدًا جَرَّحَهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ وَمَا أُرِيدَ مِنْهَا عَلَى أَقْوَالٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ فَرَحٍ الْأَنْصَارِيُّ الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي مُقَدِّمَاتِ تَفْسِيرِهِ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمِرَاءِ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا ذَكَرَهَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبَسْتِيُّ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْهَا خَمْسَةَ أقوال.
__________
(1) تفسير الطبري (1/ 49) .
(2) في ط، جـ: "أخبراه".
(3) صحيح البخاري برقم (4992) .
(4) المسند (1/ 24) وصحيح البخاري برقم (2419) وصحيح مسلم برقم (818) وسنن أبي داود برقم (1475) وسنن النسائي (2/ 150) وسنن الترمذي برقم (2943) .
(5) المسند (1/ 40) .
(6) المسند (4/ 30) .

الصفحة 44