كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)
مُقَدِّمَةُ ابْنِ كَثِيرٍ (1)
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ، الْبَارِعُ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ، عِمَادُ الدِّينِ أَبُو الْفِدَاءِ (2) إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَطِيبِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ كَثير الْبَصْرَوِيُّ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَضِيَ عَنْهُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ فَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الْفَاتِحَةِ: 2-4] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} [الكهف: 1-هـ] ، وَافْتَتَحَ خَلْقه بِالْحَمْدِ، فَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الْأَنْعَامِ: 1] ، وَاخْتَتَمَهُ بِالْحَمْدِ، فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَآلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ: {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزُّمَرِ: 75] ؛ وَلِهَذَا قَالَ [اللَّهُ] (3) تَعَالَى: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الْقَصَصِ: 70] ، كَمَا قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1] .
فَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، أَيْ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَ وَمَا هُوَ خَالِقٌ، هُوَ الْمَحْمُودُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا يَقُولُ الْمُصَلِّي: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ" (4) ؛ وَلِهَذَا يُلْهَم أَهْلُ الْجَنَّةِ تَسْبِيحَهُ وَتَحْمِيدَهُ كَمَا يُلْهَمون النَّفَس، أَيْ يُسَبِّحُونَهُ وَيَحْمَدُونَهُ عَدَدَ أَنْفَاسِهِمْ؛ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عَظِيمِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَتَوَالِي مِنَنه وَدَوَامِ إِحْسَانِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يُونُسَ: 9،10] .
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رُسُلَهُ {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النِّسَاءِ: 165] ، وَخَتَمَهُمْ بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْعَرَبِيِّ الْمَكِّيِّ الْهَادِي لِأَوْضَحِ السُّبُلِ، أَرْسَلَهُ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، مِنْ لَدُنْ بَعْثَتِهِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
__________
(1) بعدها في جـ: "رب يسر ولا تعسر" وفي ط: "رب يسر وأعن يا كريم".
(2) في جـ: "قال الشيخ العالم العلامة الأوحد الحافظ، المجتهد القدوة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، بركة الإسلام، حجة الأعلام، محيي السنة، ومن عظم الله به علينا المنة عماد الدين أبو الفضل".
(3) زيادة من جـ.
(4) هذا اقتباس من حديث رواه مسلم في صحيحه برقم (771) من حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه.
الصفحة 5
739