كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)
لوحة من المجلد الرابع من نسخة "ت"
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَأَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ "، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ الصَّحِيحِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْفَوَائِدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " كَانَ يُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ -عَنْ أَبِي حُصِينٍ، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ، بِهِ (2) . وَالْمُرَادُ مِنْ مُعَارَضَتِهِ لَهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ: مُقَابَلَتُهُ عَلَى مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِيُبْقِيَ مَا بَقِيَ، وَيُذْهِبَ مَا نُسِخَ تَوْكِيدًا، أَوِ اسْتِثْبَاتًا وَحِفْظًا؛ وَلِهَذَا عَرَضَهُ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ عُمْرِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى جِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ، وَعَارَضَهُ بِهِ جِبْرِيلُ كَذَلِكَ؛ وَلِهَذَا فَهِمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، اقْتِرَابَ أَجَلِهِ، وَعُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَمَعَ الْمُصْحَفَ الْإِمَامَ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، وَخُصَّ بِذَلِكَ رَمَضَانُ مِنْ بَيْنِ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِيحَاءِ كَانَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ دِرَاسَةُ الْقُرْآنِ وَتَكْرَارُهُ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ اجْتِهَادُ الْأَئِمَّةِ فِيهِ فِي تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذكرنا لذلك.
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4997) وصحيح مسلم برقم (2308) .
(2) صحيح البخاري برقم (4998) وسنن أبي داود برقم (2466) وسنن النسائي الكبرى برقم (7992) وسنن ابن ماجة برقم (1769) .
الْقُرَّاءُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ: ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَالِمٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ "، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (1) .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِهِ (2) .
وَأَخْرَجَاهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ -أَيْضًا-مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وائلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ بِهِ (3) . فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَقَدْ كَانَ سَالِمٌ هَذَا مِنْ سَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ، وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَهُمَا سَيِّدَانِ كَبِيرَانِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: خَطَبَنَا
__________
(1) صحيح البخاري برقم (4999) .
(2) صحيح البخاري برقم (3806، 3758) وصحيح مسلم برقم (2464) وسنن النسائي الكبرى برقم (7996) .
(3) صحيح البخاري برقم (3760) وصحيح مسلم برقم (2464) وسنن الترمذي برقم (3810) وسنن النسائي الكبرى برقم (7997) .
الصفحة 51