كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)

فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَمْ أَكْثَرَ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ أَحَدًا مِنَ الْجُيُوشِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ حَدِيثَ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا؛ إِذْ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ الْعَرَبِ مُغْلِقَةٍ بَابَهَا [وَهِيَ] تَقُولُ. تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَازْوَرَّ جَانِبُهْ ... وَأَرَّقَنِي أَلَّا ضجيعَ ألاعِبُهْ ...
أُلَاعِبُهُ طُورًا وَطُورًا كَأَنَّمَا ... بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَاجِبُهْ ...
يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلْهُو بِقُرْبِهِ ... لَطِيفُ الْحَشَا لَا يَحْتَوِيهِ أَقَارِبُهْ ...
فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَنُقِضَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ ...
وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رقيبًا موكلا ... بِأَنْفُسِنَا لَا يَفْتُر الدهرَ كَاتِبُهْ ...
ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَى هَذَا مِنْ طَرْقٍ، وَهُوَ مِنَ الْمَشْهُورَاتِ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ،وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَقَعُ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ تَطْلِيقَةً، وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ سِيرِينَ، [وَمَسْرُوقٌ] وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَقَتَادَةُ، وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ.
ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهَا تُطَلَّقُ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَمَكْحُولٌ، وَرَبِيعَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ. وَقِيلَ إِنَّهَا تُطَلُّقُ طَلْقَةً بَائِنَةً، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَبِهِ يَقُولُ: عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَمَسْرُوقٌ وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا تُطَلَّقُ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُوقَفُ فَيُطَالَبُ إِمَّا بِهَذَا أَوْ هَذَا وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ مُضِيِّهَا طَلَاقٌ.

الصفحة 605