كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْمُخْتَلِعَاتِ الْمُنْتَزِعَاتِ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ" غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ضَعِيفٌ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَوْبان، عَنْ عَمِّهِ عمارةَ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تسألُ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ كُنْهِه فَتَجِدَ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لُيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا".
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ".
ثُمَّ قَدْ قَالَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْخَلَفِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشِّقَاقُ وَالنُّشُوزُ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ، فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ حِينَئِذٍ قَبُولُ الْفِدْيَةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ] } . قَالُوا: فَلَمْ يَشْرَعِ الْخُلْعَ إِلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُه، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَطَاءٌ، [وَالْحَسَنُ] وَالْجُمْهُورُ، حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَوْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مَضَارٌّ لَهَا وَجَبَ رَدُّهُ إِلَيْهَا، وَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا. قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي أدركتُ الناسَ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ فِي حَالَةِ الشِّقَاقِ، وَعِنْدَ الِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ قَاطِبَةً. وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ "الِاسْتِذْكَارُ" لَهُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْخُلْعَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النِّسَاءِ: 20] . وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَمَأْخَذٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاس وَامْرَأَتِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ. وَلْنَذْكُرْ طُرُقَ حَدِيثِهَا، وَاخْتِلَافَ أَلْفَاظِهِ:

الصفحة 614