كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ: إِنْ كَانَ الْإِضْرَارُ مِنْ قِبَلِهَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَإِنِ ازْدَادَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ: وَإِنْ كَانَ الْإِضْرَارُ مِنْ جِهَتِهِ لَمْ يُجِزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا، فَإِنْ أَخَذَ جَازَ فِي الْقَضَاءِ.
وقال الإمام أحمد، وأبو عبيد، وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَالْحَكَمُ: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: لَا يَأْخُذُ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الْقُضَاةُ لَا يُجِيزُونَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إِلَيْهَا.
قُلْتُ: وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قِصَّةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا الْحَدِيقَةَ وَلَا يَزْدَادَ، وَبِمَا رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَيْثُ قَالَ: أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا يَعْنِي الْمُخْتَلِعَةَ وَحَمَلُوا مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَعْنَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أَيْ: مِنَ الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ: {وَلا [يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ] تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أَيْ: مِنْ ذَلِكَ. وَهَكَذَا كَانَ يَقْرَؤُهَا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: "فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه مِنْهُ" رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
فَصْلٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْخُلْعِ، فَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ بَعْدُ،يَتَزَوَّجُهَا إِنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} قَرَأَ إِلَى: {أَنْ يَتَرَاجَعَا} قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو [بْنِ دِينَارٍ] عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ.
وَرَوَى غَيْرُ الشَّافِعِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ سَأَلَهُ فَقَالَ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، أَيَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، لَيْسَ الْخُلْعُ بِطَلَاقٍ، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَآخِرِهَا، وَالْخُلْعَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الْخُلْعُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَرَأَ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَرَأَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
الصفحة 618
739