كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)

زَوْجٌ آخَرُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَلَوْ وَطِئَهَا وَاطِئٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ، وَلَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَهَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ، وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ، وَاشْتُهِرَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ يَقُولُ: يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ تَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَى الثَّانِي. وَفِي صِحَّتِهِ عَنْهُ نَظَرٌ، عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ حَكَاهُ عَنْهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنَ مَرْثَدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْبَتَّةَ، فَيَتَزَوَّجُهَا زَوْجٌ آخَرُ فَيُطَلِّقُهَا، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: أَتَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ؟ قَالَ: "لَا حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا".
هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ رَزِينٍ يُحَدِّثُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: ابْنَ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ فَيُطَلِّقُهَا، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا رَجُلٌ فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَتَرْجِعُ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حتى يَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، بِهِ كَذَلِكَ. فَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، عَلَى خِلَافِ مَا يُحْكَى عَنْهُ، فَبِعِيدٌ أَنْ يُخَالِفَ مَا رَوَاهُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ رَزِينِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْمَرِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ، فَيُغْلِقُ الْبَابَ وَيُرْخِي السِّتْرَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: "لَا حَتَّى يَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ".
وَهَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: سُلَيْمَانُ بْنُ رَزِينٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهَنَائِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَتَّى يَكُونَ الْآخَرُ قَدْ ذَاقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا وَذَاقَتْ مِنْ عُسَيْلَتِهِ".

الصفحة 622