كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)
حَسَنَةٍ. قَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانَ وَمَا تَعْجَبُ (1) مِنْ ذَا وَاللَّهُ يَقُولُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} وَيَقُولُ: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التَّوْبَةِ:38] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُضَاعِفُ الْحَسَنَةَ أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ" (2) .
وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ دَخَلَ سُوقًا مِنَ الْأَسْوَاقِ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ" الْحَدِيثَ (3) .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعة حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَسَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبُ، عن عيسى بن المسيب عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [الْبَقَرَةِ:261] إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَبِّ زِدْ أُمَّتِي" فَنَزَلَتْ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} قَالَ: رَبِّ زِدْ أُمَّتِي. فَنَزَلَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزُّمَرِ:10] . (4) .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ: مَنْ قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الْإِخْلَاصِ:1] مَرَّةً وَاحِدَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ (5) آلَافِ أَلْفِ غُرْفَةٍ مَنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ فِي الْجَنَّةِ أفأصدق بذلك؟ قال: نعم، أو عجبت مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَعِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمَا يُحْصِي ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَرَأَ {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} فَالْكَثِيرُ مِنَ اللَّهِ لَا يُحْصَى.
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} أَيْ: أَنْفِقُوا وَلَا تُبَالُوا فَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فِي الرِّزْقِ وَيُوَسِّعُهُ عَلَى آخَرِينَ، لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} أَيْ: يوم القيامة.
__________
(1) في جـ: "وما يعجبك".
(2) ورواه أحمد في المسند (5/521) من طريق علي بن زيد، عن أبي عثمان به.
(3) سنن الترمذي برقم (3429) وقال: "عمرو بن دينار هذا هو شيخ بصري، وقد تكلم فيه بعض أصحاب الحديث من غير هذا الوجه".
(4) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (1648) "موارد" من طريق حفص المقرئ، عن أبي إسماعيل المؤدب به.
(5) في جـ: "عشر".
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) }
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ: هَذَا النَّبِيُّ هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي ابْنَ أَفْرَاثِيمَ (1) بْنِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ. وَهَذَا الْقَوْلُ بِعِيدٌ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ موسى بدهر طويل، وكان
__________
(1) في جـ: "إفراثيم"، وفي أ: "إبراهيم".
الصفحة 664
739