كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)

هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَهُمَا في الوزر سواء". إسناد صحيح (1)
__________
(1) المسند (4/ 230) .
خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهال، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَد، سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ:
وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا (1) .
وَقَدْ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ هَذَا الْحَدِيثَ سِوَى مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَلْقَمة بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ السُّلَمِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ (2) .
وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طرقٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ (4) كَمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ، وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا حُكِمَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيهِ عَلَى شُعْبَةَ، وَخَطَّأَ بُنْدَار يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ ذَلِكَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْهُ، بِإِسْقَاطِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ أصحُ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِصِنَاعَةِ الْإِسْنَادِ، وَفِي ذِكْرِهِ طُولٌ لَوْلَا الْمَلَالَةُ لَذَكَرْنَاهُ، وَفِيمَا ذُكِرَ كِفَايَةٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى مَا تُرِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْغَرَضُ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ: " خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِلرُّسُلِ، وَهُمُ الكُمل فِي أَنْفُسِهِمُ، الْمُكَمِّلُونَ لِغَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّفْعِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي، وَهَذَا بِخِلَافِ صِفَةِ الْكُفَّارِ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ لَا يَنْفَعُونَ، وَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا مِمَّنْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النَّحْلِ: 88] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الْأَنْعَامِ: 26] ، فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ (5) الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُمْ يَنْهَوْنَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ مَعَ نَأْيِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنْهُ، فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّكْذِيبِ وَالصَّدِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الْأَنْعَامِ: 157] ، فَهَذَا شَأْنُ (6) الْكُفَّارِ، كَمَا أَنَّ شَأْنَ خِيَارِ الْأَبْرَارِ أَنْ يَكْمُلَ فِي نَفْسِهِ وَأَنْ يَسْعَى فِي تَكْمِيلِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "، وَكَمَا قَالَ [اللَّهُ] (7) تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] ،
__________
(1) صحيح البخاري برقم (5027) .
(2) سنن أبي داود برقم (1452) وسنن الترمذي برقم (2907) وسنن النسائي الكبرى برقم (8037) وسنن ابن ماجة برقم (311) .
(3) صحيح البخاري برقم (5028) .
(4) سنن الترمذي برقم (2908) وسنن النسائي الكبرى برقم (8038) وسنن ابن ماجة برقم (312) .
(5) في جـ: "قول".
(6) في ط، جـ: "شأن شرار".
(7) زيادة من ط.

الصفحة 67