كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)
زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ: {حم} الْمُؤْمِنَ إِلَى: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُمْسِيَ وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ" ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكة الْمَلِيكِيِّ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ (1) .
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَتِهَا (2) أَحَادِيثُ أُخَرُ تَرَكْنَاهَا اخْتِصَارًا لِعَدَمِ صِحَّتِهَا وَضَعْفِ أَسَانِيدِهَا كَحَدِيثٍ عَلَى قِرَاءَتِهَا عِنْدَ الْحِجَامَةِ: أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ حِجَامَتَيْنِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابَتِهَا فِي الْيَدِ الْيُسْرَى بِالزَّعْفَرَانِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَتُلْحَسُ لِلْحِفْظِ وَعَدَمِ النِّسْيَانِ أَوْرَدَهُمَا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عَشْرِ جُمَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ.
فَقَوْلُهُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْإِلَهِيَّةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أَيِ: الْحَيُّ فِي نَفْسِهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا الْقَيِّمُ لِغَيْرِهِ وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ: "القَيَّام" فَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَيْهِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا وَلَا قَوَامَ لَهَا بِدُونِ أَمْرِهِ كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ} [الرُّومِ:25] وَقَوْلُهُ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أَيْ: لَا يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ وَلَا غَفْلَةٌ وَلَا ذُهُولٌ عَنْ خَلْقِهِ بَلْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ (3) ، وَمِنْ تَمَامِ الْقَيُّومِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَعْتَرِيهِ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، فَقَوْلُهُ: {لَا تَأْخُذُهُ} أَيْ: لَا تَغْلِبُهُ سِنَةٌ وَهِيَ الْوَسَنُ وَالنُّعَاسُ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلا نَوْمٌ} لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنَ السِّنَةِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يُخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ وَعَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ حِجَابُهُ النُّورُ -أَوِ النَّارُ-لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحات وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" (4) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ الْمَلَائِكَةَ هَلْ يَنَامُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُؤَرِّقُوهُ ثَلَاثًا (5) فَلَا يَتْرُكُوهُ يَنَامُ فَفَعَلُوا ثُمَّ أَعْطَوْهُ قَارُورَتَيْنِ فَأَمْسَكَهُمَا ثُمَّ تَرَكُوهُ وَحَذَّرُوهُ أَنْ يَكْسِرَهُمَا. قَالَ: فَجَعَلَ يَنْعَسُ وَهُمَا فِي يَدِهِ (6) فِي كُلِّ يَدٍ وَاحِدَةٍ قَالَ: فَجَعَلَ يَنْعَسُ وَيَنْبَهُ (7) وَيَنْعَسُ وَيَنْبَهُ (8) حَتَّى نَعَسَ نَعْسَةً فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَكَسَرَهُمَا قَالَ مَعْمَرٌ: إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يقول: فكذلك السموات وَالْأَرْضُ فِي يَدَيْهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ (9) وَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عز وجل وأنه منزه عنه.
__________
(1) سنن الترمذي برقم (2879) .
(2) في أ: "في فضلها".
(3) في أ: "عليه شيء".
(4) صحيح مسلم برقم (179) .
(5) في أ: "قليلا".
(6) في أ: "يديه".
(7) في أ: "وينتبه".
(8) في أ: "وينتبه".
(9) تفسير الطبري (5/393) .
الصفحة 678
739