كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 1)
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ هَنَّاد، بِهِ (1) . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ -يَعْنِي سَلَّامَ بْنَ سُلَيْمٍ -لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ. كَذَا قَالَ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَه، عَنْ هَارُونَ الفَرْوِي، عَنْ أَبِي ضَمْرة (2) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، مَرْفُوعًا نَحْوَهُ.
وَلَكِنْ رَوَاهُ مِسْعر، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} أَيْ: يُخَوِّفُكُمُ الْفَقْرَ، لِتُمْسِكُوا مَا بِأَيْدِيكُمْ فَلَا تُنْفِقُوهُ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ، {وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} أَيْ: مَعَ نَهْيِهِ إِيَّاكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ، يَأْمُرُكُمْ بِالْمَعَاصِي وَالْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ وَمُخَالَفَةِ الخَلاق، قَالَ [اللَّهُ] (3) تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ} أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا أَمَرَكُمُ الشَّيْطَانُ بِالْفَحْشَاءِ {وَفَضْلا} أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا خَوَّفَكُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْفَقْرِ {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
وَقَوْلُهُ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِالْقُرْآنِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ، وَمُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَأَمْثَالِهِ.
وَرَوَى جُوَيْبر، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: الْحِكْمَةُ: الْقُرْآنُ (4) . يَعْنِي: تَفْسِيرُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهُ [قَدْ] (5) قَرَأَهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي بِالْحِكْمَةِ: الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء} لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ، وَلَكِنَّهُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ وَالْقُرْآنُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الْحِكْمَةُ خَشْيَةُ اللَّهِ، فَإِنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ رَأْسُ كُلِّ حِكْمَةٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدُويه، مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زُفَر الجُهَني، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْأَسَدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: "رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ" (6) .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْحِكْمَةُ: الْكِتَابُ وَالْفَهْمُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النخَعي: الْحِكْمَةُ: الْفَهْمُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: الْحِكْمَةُ: السُّنَّةُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْحِكْمَةُ: الْعَقْلُ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّهُ لَيَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ الْحِكْمَةَ هُوَ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ، وأمْرٌ يُدْخِلُهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَمِمَّا يُبَيَّنُ ذَلِكَ، أَنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ عَاقِلًا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ذَا نَظَرٍ فِيهَا، وَتَجِدُ آخَرَ ضَعِيفًا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، عَالِمًا بِأَمْرِ دِينِهِ، بَصِيرًا بِهِ، يُؤْتِيهِ اللَّهُ إِيَّاهُ وَيَحْرِمُهُ هَذَا، فَالْحِكْمَةُ: الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ.
وقال السدي: الحكمة: النبوة.
__________
(1) صحيح ابن حبان برقم (40) "موارد".
(2) في جـ، أ: "عن أبي حمزة".
(3) زيادة من جـ، أ.
(4) عزاه السيوطي في الدر المنثور (2/66) لابن مردويه في تفسيره وإسناده ضعيف جدا.
(5) زيادة من أ، و.
(6) ورواه البيهقي وضعفه في شعب الإيمان برقم (744) من طريق محمد بن وصفى عن بقية به، ورواه البيهقي أيضا من وجه آخر موقوفا على ابن مسعود.
الصفحة 700
739