كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

وَقُودُ النَّارِ". وَكَذَا رَأَيْتُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ: "هَلْ بَلَّغْتَ" يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -وَكَانَ أوَّاها-فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وحرصتَ وجهدتَ ونصحتَ فَاصْبِرْ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيَظْهَرَنَّ الْإِيمَانُ حَتَّى يَرُدَّ الْكُفْرَ إِلَى مَوَاطِنِهِ، وَلِيَخُوضُنَّ رِجَالٌ الْبِحَارَ بِالْإِسْلَامِ (1) وَلِيَأْتِيَنَّ عَلَى الناس زمان يقرؤون القرآن، فيقرؤونه وَيَعْلَمُونَهُ، فَيَقُولُونَ: قَدْ قَرَأْنَا، وَقَدْ عَلِمْنَا، فَمَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا؟ فَمَا فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ أُولَئِكَ؟ قَالَ: "أُولَئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ" (2) ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بِنْتِ الْهَادِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبَدِ الْمَطْلَبِ بِنَحْوِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَصَنِيعِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَسُنَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ وَكَشَبَهِ (3) آلِ فِرْعَوْنَ، وَالْأَلْفَاظُ مُتَقَارِبَةٌ. وَالدَّأْبُ -بِالتَّسْكِينِ، وَالتَّحْرِيكِ أَيْضًا كنَهْر ونَهَر-: هُوَ الصُّنْعُ (4) وَالشَّأْنُ وَالْحَالُ وَالْأَمْرُ وَالْعَادَةُ، كَمَا يُقَالُ: لَا يَزَالُ هَذَا دَأْبِي وَدَأْبُكَ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ ... يَقُولُونَ: لَا تَهْلِكْ (5) أَسًى وَتَجَمَّلِ (6)
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ (7) قَبْلَهَا ... وَجَارَتِهَا أَمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ (8)
وَالْمَعْنَى: كَعَادَتِكَ فِي أُمِّ الْحُوَيْرِثِ حِينَ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ فِي حُبِّهَا وَبَكَيْتَ دَارَهَا وَرَسْمَهَا.
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْكَافِرِينَ لَا تُغْنِي (9) عَنْهُمُ الْأَوْلَادُ وَلَا الْأَمْوَالُ، بَلْ يَهْلَكُونَ وَيُعَذَّبُونَ، كَمَا جَرَى لِآلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُمْ من المكذبين للرسل (10) فيما جاؤوا (11) بِهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ.
{ [كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ] (12) وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَيْ: شَدِيدُ الْأَخْذِ أَلِيمُ الْعَذَابِ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ بَلْ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، الَّذِي [قَدْ] (13) غَلَبَ كُلَّ شَيْءٍ وَذَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رب سواه.
__________
(1) في جـ: "بإسلامهم".
(2) تفسير ابن أبي حاتم (2/90) وفيه ابن لهيعة، وقد توبع، تابعه عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن الهاد به. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/250) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/186) "رجاله ثقات، إلا أن هند بنت الحارث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا من جرحها".
(3) في أ، و: "وكشبيه".
(4) في جـ، ر، أ، و: "الصنيع".
(5) في جـ، ر، أ، و: "تأسف".
(6) في جـ، ر، أ: "تحملي"، وفي و: "تحمل".
(7) في أ: "الحويرة".
(8) البيت في تفسير الطبري (6/225) وديوان امرئ القيس (125) ، والبيت من معلقته المشهورة.
(9) في ر، أ "يغني".
(10) في جـ، ر: "بالرسل".
(11) في جـ، ر، أ، و: "جاءوهم".
(12) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(13) زيادة من أ، و.

الصفحة 16