كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)
وَاسْتَأْنَسُوا أَيْضًا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ (1) بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو سَعِيدٍ قَالَا حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ -وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَير، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً لَا يَعْرِفُهَا، فَلَيْسَ (2) يَأْتِي الرَّجُلُ مِنِ امرأته شيء إلا أَتَاهُ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هُودٍ: 114] قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلِّ". قَالَ مُعَاذٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَهُ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: "بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ (3) بِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا (4) .
قَالُوا: فَأَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَسَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُجَامِعْهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي لَيْلَى وَمُعَاذٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لِلتَّوْبَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الصدِّيق [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (5) مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ" الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ] (6) } الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ:135] .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} الْجِمَاعَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي اللَّمْسِ، لِصِحَّةِ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَبّل بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يُقَبِّلُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ (7) .
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبّل بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، قُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِهِمْ، عَنْ وَكِيعٍ، بِهِ (8) .
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا حَدَّثَنَا حَبِيبٌ إِلَّا عَنْ عُرْوَةَ المزَنيّ، وَقَالَ يَحْيَى القطَّان لِرَجُلٍ: احْكِ عَنِّي أَنَّ هذا الحديث شبه لا شيء.
__________
(1) في ر، أ: "عبد الرحمن".
(2) في أ: "وليس".
(3) المسند (5/244) وسنن الترمذي برقم (3113) .
(4) رواه النسائي في الكبرى برقم (7328) لكنه موصول، وذكره المزي في تحفة الأشراف برقم (11343) وعزاه للنسائي مرسلا، والله أعلم.
(5) زيادة من أ.
(6) زيادة من د، أ.
(7) تفسير الطبري (8/396) .
(8) تفسير الطبري (8/396) وسنن أبي داود برقم (180) وسنن الترمذي برقم (86) وسنن ابن ماجه برقم (502) .
الصفحة 316