كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مِنْ رَأْفَتِهِ بِهِمْ حَذَّرَهُمْ نَفْسَهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَيْ: رَحِيمٌ بِخَلْقِهِ، يُحِبُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَقِيمُوا عَلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَدِينِهِ الْقَوِيمِ، وَأَنْ يَتَّبِعُوا رَسُولَهُ الْكَرِيمَ.
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) }
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ حَاكِمَةٌ عَلَى كُلِّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فَإِنَّهُ كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، حَتَّى يَتَّبِعَ الشَّرْعَ الْمُحَمَّدِيَّ وَالدِّينَ النَّبَوِيَّ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ وَأَحْوَالِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ" وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} أَيْ: يَحْصُلُ لَكُمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّنافِسي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ والْبُغْضُ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} قَالَ أَبُو زُرْعَة: عَبْدُ الْأَعْلَى هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ (1) .
ثُمَّ قَالَ: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أَيْ: بِاتِّبَاعِكُمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْصُلُ لَكُمْ هَذَا كُلُّهُ بِبَرَكَةِ سِفَارَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ آمِرًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ خَاصٍّ وَعَامٍّ: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: خَالَفُوا عَنْ أَمْرِهِ {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَتَهُ فِي الطَّرِيقَةِ كُفْرٌ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ، وَإِنِ ادَّعَى وَزَعَمَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ لِلَّهِ وَيَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُتَابِعَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ خَاتَمَ الرُّسُلِ، وَرَسُولَ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ (2) الَّذِي لَوْ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ -بَلِ الْمُرْسَلُونَ، بَلْ أُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ-فِي زَمَانِهِ لَمَا وَسِعَهُمْ إِلَّا اتِّبَاعُهُ، وَالدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعُ شَرِيعَتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ: 31] [إِنْ شَاءَ الله تعالى] (3) .
__________
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/202) ، ورواه أبو نعيم في الحلية (8/368) والحاكم في المستدرك (2/291) من طريق عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أبي كثير به.
قال الحاكم: صحيح على شرطهما، وتعقبه الذهبي بقوله: "فيه عبد الأعلى بن أعين، قال الدارقطني: ليس بثقة".
وقال ابن حبان: "يروي عن يحيى بن أبي كثير ما ليس من حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال".
وقال العقيلي: "جاء بأحاديث منكرة ليس منها شيء محفوظ".
(2) في جـ: "الإنس والجن".
(3) زيادة من و.

الصفحة 32