كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)
حَيْثُ قَالُوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آلِ عِمْرَانَ:7] أَيْ: مُحْكَمُهُ وَمُتَشَابِهُهُ حَقٌّ؛ فَلِهَذَا رَدُّوا الْمُتَشَابِهَ إِلَى الْمُحْكَمِ فَاهْتَدَوْا، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ رَدُّوا الْمُحْكَمَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ فغووا؛ وَلِهَذَا مَدَحَ تَعَالَى الرَّاسِخِينَ وَذَمَّ الزَّائِغِينَ.
قَالَ (1) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمر النَّعم، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ (2) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَة، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ، وَيَقُولُ: "مَهْلًا يَا قَوْمُ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مَنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فردوه إِلَى عالمِه" (3) .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جده قَالَ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمان مِنَ الْغَضَبِ، فَقَالَ لَهُمْ: "مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ". قَالَ: فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم أَشْهَدْهُ مَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ نَحْوَهُ (4) .
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عمْران الجَوْني قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاح، يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَإِنَّا لَجُلُوسٌ إِذِ اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي آيَةٍ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَقَالَ: "إِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ" وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ (5) .
وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى الْأُمُورِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا، فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهَا صِحَّةٌ.
وَقَدْ قَالَ مُسْلِمٌ فِي "مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ" حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ (6) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كفى بالمرء كذبا أَنْ يُحدِّث بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ "الْأَدَبِ" مِنْ سُنَنِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِشْكَابٍ، عَنْ علي بن حفص، عن شعبة مسندًا (7) ورواه مسلم أيضا من حديث
__________
(1) في ر، أ: "وقال".
(2) في أ: "أصحاب".
(3) المسند (2/181) .
(4) المسند (2/178) وسنن ابن ماجه برقم (85) .
(5) المسند (2/192) وصحيح مسلم برقم (2666) وسنن النسائي الكبرى برقم (8095) .
(6) في ر، أ: "حبيب".
(7) صحيح مسلم برقم (5) وسنن أبي داود برقم (4992) .
الصفحة 365