كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) }
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87) }
يَأْمُرُ تَعَالَى عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ نَكَلَ عَلَيْهِ فَلَا عَلَيْهِ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ}
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُبَيْح، حَدَّثَنَا حَكَّام، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ الْكِنْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ عَنِ الرَّجُلِ يَلْقَى مائة من العدو، فَيُقَاتِلُ، أَيَكُونُ مِمَّنْ يَقُولُ اللَّهُ: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [الْبَقَرَةِ: 195] قَالَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عيَّاش، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ: الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَهْوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ} إِنَّمَا ذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مردُويه، مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، وَعَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرْمِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَر، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا] (1) } الْآيَةَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: "قَدْ أَمَرَنِي رَبِّي بِالْقِتَالِ فَقَاتِلُوا" حَدِيثٌ غَرِيبٌ (2) .
وَقَوْلُهُ: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: عَلَى الْقِتَالِ وَرَغِّبْهُمْ فِيهِ وَشَجِّعْهُمْ عِنْدَهُ كَمَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر، وَهُوَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ: "قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض".
وَقَدْ وَرَدَتْ أحاديثُ كَثِيرَةٌ فِي التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُبَشِّرُ الناسَ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مائةَ دَرَجَةٍ، أعدَّها اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ. وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تُفَجَّر أَنْهَارُ الْجَنَّةِ" (3) .
ورُوي مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وعُبادة نَحْوُ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدْري أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَا أَبَا سعيد، من رضي بالله ربا، وبالإسلام
__________
(1) زيادة من ر، أ.
(2) ذكره السيوطي في الدر (2/602) ووجه غرابته أنه روي موقوفا من عدة وجوه، ولم يرو مرفوعا إلا من هذا الوجه.
(3) صحيح البخاري برقم (2790) .

الصفحة 367