كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ (41) }
لَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُ مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، طَمِعَ حِينَئِذٍ فِي الْوَلَدِ، وَ [إِنْ] (1) كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ [ضَعُفَ وَ] (2) وَهَن مِنْهُ (3) الْعَظْمُ، وَاشْتَعَلَ رَأْسُهُ شَيْبًا، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرَةً وَعَاقِرًا، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ سَأَلَ رَبَّهُ وَنَادَاهُ نِدَاءً خَفيا، وَقَالَ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ {ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} أَيْ: وَلَدًا صَالِحًا {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} أَيْ: خَاطَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ شِفَاهًا خِطَابًا أَسْمَعَتْهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِحْرَابِ عِبَادَتِهِ، وَمَحَلِّ خَلْوَته، وَمَجْلِسِ مُنَاجَاتِهِ، وَصَلَاتِهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَمَّا بَشَّرَتْهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ: {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} أَيْ: بِوَلَدٍ يُوجَدُ لَكَ مِنْ صُلْبِكَ اسْمُهُ يَحْيَى. قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا سُمِّي يَحْيَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ.
وَقَوْلُهُ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} رَوَى العَوْفيّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ والسُّدي وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَعَلَى سُنَنِهِ (4) وَمِنْهَاجِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} قَالَ: كَانَ يَحْيَى وَعِيسَى ابْنَيْ خَالَةٍ، وَكَانَتْ أَمُّ يَحْيَى تَقُولُ لِمَرْيَمَ: إِنِّي أَجِدُ الَّذِي فِي بَطْنِي يَسْجُد لِلَّذِي فِي بَطْنِكِ فَذَلِكَ تَصْدِيقُهُ بِعِيسَى: تَصْدِيقُهُ لَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ عِيسَى، وَكَلِمَةُ اللَّهِ عِيسَى، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عِيسَى (5) عَلَيْهِ (6) السَّلَامُ، وَهَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: {وَسَيِّدًا} قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ: الْحَكِيمُ (7) وَقَالَ قَتَادَةُ: سَيِّدًا فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالضَّحَّاكُ: السَّيِّدُ الْحَكِيمُ (8) الْمُتَّقِي (9) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هُوَ الْفَقِيهُ الْعَالِمُ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: السَّيِّدُ فِي خُلُقِهِ وَدِينِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الشَّرِيفُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ (10) هو
__________
(1) زيادة من أ، و.
(2) زيادة من أ، و.
(3) في جـ، ر: "ضعف".
(4) في جـ، أ، و: "سنته".
(5) في ر: "يحيى".
(6) في ر، أ، و: "عليهما"
(7) في جـ، أ، و: "الحليم".
(8) في جـ، أ، و: "الحليم".
(9) في أ، و: "التقي".
(10) في أ: "غيرهم".

الصفحة 37