كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا؟ فَقَالَ: {جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ وَالْهُدَى؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَقَدْ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، قَاتِلُ مُؤْمِنٍ (1) مُتَعَمِّدًا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشَمَالِهِ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا فِي قُبُل عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَلَزَمُ قَاتِلَهُ بِشَمَالِهِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، يَقُولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي" (2) ؟ وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ! لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَمَا نَسَخَتْهَا مِنْ آيَةٍ حَتَّى قُبِضَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلْ بَعْدَهَا مِنْ بُرْهَانٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثْنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ المُجَبَّر يُحَدِّثُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا؟ فَقَالَ: {جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا] (3) } قَالَ: لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلْ، مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ حَتَّى قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلْ وَحَيٌّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى؟ قَالَ: وَأَنَّى لَهُ بِالتَّوْبَةِ. وَقَدْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يَقُولُ: "ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ -وَآخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشَمَالِهِ-تَشْخَب أَوْدَاجُهُ دَمًا مِنْ قُبُلِ الْعَرْشِ يَقُولُ: يَا رَبُّ، سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي؟ ".
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ (4) وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهني، وَيَحْيَى الْجَابِرِ وَثَابِتٍ الثُّمَالِيِّ (5) عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ (6) وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ مِنَ السَّلَفِ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ، نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ الْحَافِظُ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا دَعْلَج بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ البُوشَنْجي وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ فَهْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا مُعْتمر بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيل، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَجِيءُ الْمَقْتُولُ مُتَعَلِّقًا بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آخِذًا رَأْسَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى فَيَقُولُ: يَا رَبُّ، سَلْ هذا فيم قتلني؟ " قال: "فيقول: قتلته لتكون الْعِزَّةُ لَكَ. فَيَقُولُ: فَإِنَّهَا لِي". قَالَ: "وَيَجِيءُ آخَرُ مُتَعَلِّقًا بِقَاتِلِهِ فَيَقُولُ: رَبِّ، سَلْ هَذَا فيم قتلني؟ " قال: "فيقول قتلته لتكون العزة لِفُلَانٍ". قَالَ: "فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ بؤْ بِإِثْمِهِ". قَالَ: "فَيَهْوِي فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا".
وَقَدْ رَوَاهُ عَنِ النَّسَائِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُسْتَمِرِّ العَوْفي، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بن
__________
(1) في د: "مؤمنا".
(2) تفسير الطبري (9/62، 63) .
(3) زيادة من ر.
(4) في أ: "قتادة"
(5) في أ: "البناني".
(6) المسند (1/240) وسنن النسائي (8/63) وسنن ابن ماجة برقم (2621) .

الصفحة 378