كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

كَيْسان، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَّهُ رَأَى مَروان بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَمْلَى عَلَيّ: " لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ". فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَهُوَ يُمْلِيهَا عليَّ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ أَعْمَى-فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفَخِذه عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَض (1) فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ (2) دُونَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدٍ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ (3) أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِنِّي قَاعِدٌ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ (4) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أُوحِي إِلَيْهِ، قَالَ: وَغَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ، قَالَ: فَوَقَعَ (5) فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي حِينَ غَشِيَتْهُ السَّكِينَةُ. قَالَ زَيْدٌ: فَلَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا قَطُّ أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: " اكْتُبْ يَا زَيْدُ ". فَأَخَذْتُ كَتِفًا فَقَالَ: "اكْتُبْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} إِلَى قَوْلِهِ (6) {أَجْرًا عَظِيمًا} فَكَتَبْتُ (7) ذَاكَ فِي كَتِفٍ، فَقَامَ حِينَ سَمِعَهَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ -وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى -فَقَامَ حِينَ سَمِعَ فَضِيلَةَ الْمُجَاهِدِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِمَّنْ هُوَ أَعْمَى، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ؟ قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ مَا مَضَى (8) كَلَامُهُ -أَوْ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَضَى كَلَامَهُ -حَتَّى غَشِيَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّكِينَةُ، فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَوَجَدْتُ مِنْ ثِقْلِهَا كَمَا وَجَدْتُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: " اقْرَأْ ". فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: " لَا يستوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ " (9) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قَالَ زَيْدٌ: فَأَلْحَقْتُهَا، فَوَاللَّهِ لَكَأَنِي أَنْظُرُ إِلَى مُلْحَقها عِنْدَ صَدْعٍ كَانَ فِي الْكَتِفِ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّناد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، بِهِ نَحْوَهُ (10) .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا (11) مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ قَبيصة بْنِ (12) ذُؤَيب، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " اكْتُبْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَجَاءَ (13) عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكِنَّ بِي مِنَ الزَّمَانَةِ مَا قَدْ تَرَى، قَدْ ذَهَبَ بَصَرِي. قَالَ زَيْدٌ: فَثَقُلَتْ فَخذ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ تَرُضَّهَا (14) ثُمَّ سُرِّي عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: " اكْتُبْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
__________
(1) في ر: "يرض".
(2) صحيح البخاري برقم (4592) .
(3) في ر، أ: "عن".
(4) في أ: "النبي".
(5) في أ: "فرفع".
(6) في ر، أ: "الآية كلها إلى قوله".
(7) في أ: "فكتب".
(8) في ر، أ: "قضى".
(9) في ر: "والمجاهدين".
(10) المسند (5/191) وسنن أبي داود برقم (2507) .
(11) في أ: "أخبرنا".
(12) في ر: "عن".
(13) في أ: "فجاءه".
(14) في أ: "يرضها".

الصفحة 386