كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيك الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَسْلَمُوا، وَكَانُوا يَسْتَخِفُونَ بِالْإِسْلَامِ، فَأَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَهُمْ، فَأُصِيبَ بَعْضُهُمْ بِفِعْلِ بَعْضٍ (1) قَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانَ أَصْحَابُنَا هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ (2) وَأُكْرِهُوا، فاستَغْفَروا لَهُمْ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ [قَالُوا فِيمَ كُنْتُم} إِلَى آخَرِ] (3) الْآيَةِ، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: لَا عُذْرَ لَهُمْ. قَالَ: فَخَرَجُوا فَلَحِقَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَوْهُمُ الْفِتْنَةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ (4) الْآيَةُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} الْآيَةَ (5) [الْبَقَرَةِ: 8] .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَبَابٍ مِنْ قُرَيْشٍ، كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، مِنْهُمْ: عَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَف، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ مُنَبِّهِ (6) بْنِ الْحَجَّاجِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعة.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ (7) مِنَ الْمُنَافِقِينَ، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة، وَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُصِيبُوا فِيمَنْ أُصِيبَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ (8) الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَامَّةً فِي كُلِّ مَنْ أَقَامَ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِقَامَةِ الدِّينِ، فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُرْتَكِبٌ حَرَامًا بِالْإِجْمَاعِ، وَبِنَصِّ هَذِهِ الْآيَةِ حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أَيْ: بِتَرْكِ الْهِجْرَةِ {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} أَيْ: لِمَ مَكَثْتُمْ هَاهُنَا وَتَرَكْتُمُ الْهِجْرَةَ؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ} أَيْ: لَا نَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْبَلَدِ، وَلَا الذَّهَابِ فِي الْأَرْضِ {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا] (9) } .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ سمرة بن جندب، حدثني خبيب (10) بن سليمان، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بن جندب: أما بعد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ " (11) .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا أُسِرَ الْعَبَّاسُ وَعقِيل ونَوْفَل، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: " افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَمْ نُصَلِّ قِبْلَتَكَ، وَنَشْهَدْ شَهَادَتَكَ؟ قَالَ: " يَا عَبَّاسُ، إِنَّكُمْ خَاصَمْتُمْ فخُصمتم". ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً [فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا] (12) } رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ: {إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ [مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا (13)
__________
(1) في ر، أ: "بنبل".
(2) في ر: "مسلمون".
(3) زيادة من ر، أ.
(4) في أ: "فيهم".
(5) ورواه الطبراني في تفسيره (9/102) حدثنا أحمد بن منصور الرمادي به.
(6) في د: "ابن منصور".
(7) في د، ر: "أناس".
(8) في أ: "فهذه".
(9) زيادة من د، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(10) في ر، أ: "حبيب".
(11) سنن أبي داود برقم (2787) .
(12) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(13) زيادة من د، ر، أ، وفي هـ: "إلى آخر الآية".

الصفحة 389