كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

} الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ (1) .
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} أَيْ: فَقَدْ سَلَكَ غَيْرَ (2) الطَّرِيقِ الْحَقِّ، وَضَلَّ عَنِ الْهُدَى وَبَعُدَ عَنِ الصَّوَابِ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ وَخَسِرَهَا (3) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفَاتَتْهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَوْلُهُ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلان، أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ (4) بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَ: مَعَ كُلِّ صَنَمٍ جنيَّة.
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَبْدِ العزيز بن محمد، عَنْ هِشَامٍ -يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ -عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَتْ: أَوْثَانًا.
وَرَوَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، (5) وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ جُوَيْبر عَنِ الضَّحَّاكِ فِي [قَوْلِهِ] (6) {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا نَعْبُدُهُمْ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، قَالَ: اتَّخَذُوهَا أَرْبَابًا وَصَوَّرُوهُنَّ صُوَرَ الْجَوَارِي، فَحَكَمُوا (7) وَقَلَّدُوا، وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ يُشْبهن بَنَاتَ اللَّهِ الَّذِي نَعْبُدُهُ، يَعْنُونُ الْمَلَائِكَةَ.
وَهَذَا التَّفْسِيرُ شبيه بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. [مَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى. إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ] (8) } [النَّجْمِ: 19-23] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [أشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ] (9) } [الزُّخْرُفِ: 19] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ] (10) } [الصَّافَّاتِ: 158، 159] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَ: يَعْنِي مَوْتَى.
وَقَالَ مُبَارَكٌ -يَعْنِي ابْنَ فَضَالة -عَنِ الْحَسَنِ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} قَالَ الْحَسَنُ: الْإِنَاثُ كُلُّ شَيْءٍ مَيِّتٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ، إِمَّا خَشَبَةٌ يَابِسَةٌ وَإِمَّا حَجَرٌ يَابِسٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حاتم وابن جرير، وهو غريب.
__________
(1) سنن الترمذي برقم (3037) .
(2) في ر، أ: "عن".
(3) في أ: "ضرها".
(4) في ر، أ: "أنبأنا الحسين".
(5) في أ: "عن".
(6) زيادة من ر، أ.
(7) في أ: "فحلوا".
(8) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآيات".
(9) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(10) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآيتين".

الصفحة 414