كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

فِي الدُّنْيَا إِلَّا كفَّر اللَّهُ بِهَا خَطِيئَتَهُ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكها أَحَدُكُمْ فِي قَدَمِهِ" (1) .
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصب وَلَا وَصَب وَلَا سَقَم وَلَا حَزَن، حَتَّى الْهَمِّ يُهَمّه، إِلَّا كُفّر بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ" أَخْرَجَاهُ (2) .
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بنُ عُجْرَة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ الَّتِي تُصِيبُنَا؟ مَا لَنَا بِهَا؟ قَالَ: "كَفَّارَاتٌ". قَالَ أُبَيٌّ: وَإِنْ قَلَّتْ؟ قَالَ: "وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا" قَالَ: فَدَعَا أُبَيٌّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ الْوَعْك حَتَّى يَمُوتَ، فِي أَلَّا يَشْغَلَهُ عَنْ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ، وَلَا جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فِي جَمَاعَةٍ، فَمَا مَسَّهُ إِنْسَانٌ إِلَّا وَجَدَ حَرَّهُ، حَتَّى مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (3) .
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَمَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً يُجزَ بِهَا عَشْرًا. فَهَلَكَ مَنْ غَلَبَ وَاحِدَتُهُ (4) عَشْرًا" (5) .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ الْحَسَنِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قَالَ: الْكَافِرُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ} [سَبَأٍ: 17] .
وَهَكَذَا رُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُمَا فَسَّرَا السُّوءَ هَاهُنَا بِالشِّرْكِ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِلَّا أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ عامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا] (6) } لَمَّا ذَكَرَ الْجَزَاءَ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْخُذَ مُسْتَحَقَّهَا مِنَ الْعَبْدِ إِمَّا فِي الدُّنْيَا -وَهُوَ الْأَجْوَدُ لَهُ -وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَسْأَلُهُ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالصَّفْحَ وَالْعَفْوَ وَالْمُسَامَحَةَ -شَرَعَ فِي بَيَانِ إِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادِهِ ذُكْرَانهم وَإِنَاثِهِمْ، بِشَرْطِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ وَلَا يَظْلِمُهُمْ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ وَلَا مِقْدَارَ النَّقِيرِ، وَهُوَ: النَّقْرَةُ الَّتِي فِي ظَهْرِ نَوَاةِ التَّمْرَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْفَتِيلِ، وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي فِي شِقِّ النَّوَاةِ، وَهَذَا النَّقِيرُ وَهُمَا فِي نَوَاةِ التَّمْرَةِ، وَكَذَا الْقِطْمِيرُ وَهُوَ اللِّفَافَةُ الَّتِي عَلَى نَوَاةِ التَّمْرَةِ، الثَّلَاثَةُ فِي القرآن.
__________
(1) وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزمي ضعيف.
(2) صحيح البخاري برقم (5641، 5642) . وصحيح مسلم برقم (2573) .
(3) المسند (3/23) ، ورواه أبو يعلى في مسنده (2/281) وقال الهيثمي في المجمع (2/301) : "رجاله ثقات".
(4) في ر: "واحد" وفي أ: "واحدة".
(5) وإسناده ضعيف جدا كما سبق في المقدمة.
(6) زيادة من و، أ، وفي هـ "الآية".

الصفحة 421