كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

{وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} أَيْ: فَخَالَفُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا بَابَ بَيْتِ الْقُدْسِ سُجَّدًا، وَهُمْ يَقُولُونَ: حِطَّةٌ. أَيْ: اللَّهُمَّ حُطَّ (1) عَنَّا ذُنُوبَنَا فِي تَرْكِنَا الْجِهَادَ وَنُكُولِنَا عَنْهُ، حَتَّى تُهْنَا فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى اسْتَاهِهِمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: حِنْطَةٌ فِي شَعْرَةٍ.
{وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} أَيْ: وُصَّيْنَاهُمْ بِحِفْظِ السَّبْتِ وَالْتِزَامِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، مَا دَامَ مَشْرُوعًا لَهُمْ {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} أَيْ: شَدِيدًا، فَخَالَفُوا وعَصَوْا وَتَحَيَّلُوا عَلَى ارْتِكَابِ مَنَاهِي اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ [إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ] (2) } [الْأَعْرَافِ: 163-166] الْآيَاتِ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، فِي سُورَةِ "سُبْحَانَ" عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الْإِسْرَاءِ: 101] ، وفيه: "وعليكم -خاصة يهود-أن لا تعدوا في السبت".
__________
(1) في د: "احطط".
(2) زيادة من ر، أ.
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) }
وَهَذِهِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا، مِمَّا أَوْجَبَ لَعْنَتَهُمْ وَطَرْدَهُمْ وَإِبْعَادَهَمْ عَنِ الْهُدَى، وَهُوَ نَقْضُهُمُ الْمَوَاثِيقَ وَالْعُهُودَ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ، وَكُفْرُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، أَيْ: حُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، وَالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي شَاهَدُوهَا عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
قَوْلُهُ (1) {وَقَتْلَهُمُ الأنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ إِجْرَامِهِمْ وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا جَمًّا غَفِيرًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ [بِغَيْرِ حَقٍّ] (2) عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَقَوْلِهِمْ: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَعِكْرِمَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: أَيْ فِي غِطَاءٍ. وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ [وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ] (3) } [فُصِّلَتْ: 5] . وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمُ ادعَوْا أَنَّ قُلُوبَهُمْ غُلُف لِلْعِلْمِ، أَيْ: أَوْعِيَةٌ لِلْعِلْمِ قَدْ حَوَتْهُ وَحَصَّلَتْهُ. رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ (4) في سورة البقرة.
__________
(1) في أ: "وقوله".
(2) زيادة من أ.
(3) زيادة من د، أ، وفي هـ: "الآية".
(4) في أ: "تفسيره".

الصفحة 447