كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

إِلَّا هَلَكَتْ] (1) وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيُصَدِّقُونَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ، فَتُمْطِرَ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ، فَتُنْبِتَ. حَتَّى تَرُوحَ مَوَاشِيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَسْمَنَ مَا كَانَتْ وَأَعْظَمَهُ، وأمَدّه خَوَاصِرَ، وَأَدَرَّهُ ضُروعا، وَإِنَّهُ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا وَطِئَهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِيهِمَا مِنْ نَقْب مِنْ نِقَابِهِمَا إِلَّا لَقِيَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّيُوفِ صَلتة، حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الظّرَيب (2) الْأَحْمَرِ، عِنْدَ مُنْقَطع السَّبخَة، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفات، فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ، فَتَنْفى الخَبَثَ مِنْهَا كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، ويُدعى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلَاصِ.
فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيك بِنْتُ أَبِي العَكَر (3) يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "هُمْ قَلِيلٌ، وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصلي بِهِمُ الصُّبْحَ إِذْ نَزَلَ [عَلَيْهِمْ] (4) عِيسَى [ابْنُ مَرْيَمَ] (5) عَلَيْهِ السَّلَامُ، الصُّبْحَ، فَرَجَعَ ذَلِكَ الْإِمَامُ يَنْكُصُ، يَمْشِي الْقَهْقَرَى؛ لِيُقَدِّمَ (6) عِيسَى يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيَضَعُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: تَقَدَّمَ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَتْ. فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: افْتَحُوا الْبَابَ. فَيُفْتَحُ، وَوَرَاءَهُ الدَّجَّالُ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سَيْفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ (7) الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا، وَيَقُولُ عِيسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] (8) إِنْ لِي فِيكَ ضَرْبَة لَنْ تَسْتَبِقَنِي بِهَا. فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابَ لُدّ الشَّرْقِيِّ، فَيَقْتُلُهُ، وَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى (9) يَتَوَارَى بِهِ الْيَهُودِيُّ (10) إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، لَا حَجَرَ، وَلَا شَجَرَ، وَلَا حَائِطَ، وَلَا دَابَّةَ -إِلَّا الغَرْقدة فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ-إِلَّا قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ، هَذَا يَهُودِيٌّ، فَتَعَالَ (11) اقْتُلْهُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَإِنَّ أَيَّامَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، السَّنَةُ كَنِصْفِ السَّنَةِ، وَالسَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَآخِرُ أَيَّامِهِ كَالشَّرَرَةِ، يُصْبِحُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَبْلُغُ بَابَهَا الْآخَرَ حَتَّى يُمْسِيَ". فَقِيلَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ (12) كَيْفَ نُصَلِّي، فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقِصَارِ؟ قَالَ: "تُقَدِّرُونَ فِيهَا الصَّلَاةَ كَمَا تُقَدِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الطِّوَالِ. ثُمَّ صَلّوا".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَيَكُونُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسطا، يَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ (13) الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَتْرُكُ الصَّدَقَةَ، فَلَا يُسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ، وَتَرْتَفِعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ، وتُنزع حُمَة كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ، حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِي (14) الْحَيَّةِ فَلَا تَضُرَّهُ، وتُفرُّ الْوَلِيدَةُ الْأَسَدَ فَلَا يَضُرَّهَا، وَيَكُونُ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا، وَتُمْلَأُ الأرضُ مِنَ السِّلْمِ (15) كَمَا يُمْلأ الْإِنَاءُ مِنَ الْمَاءِ، وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ وَاحِدَةً، فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا، وَتَكُونُ الْأَرْضُ كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ تُنْبِتُ نَبَاتَهَا كَعَهْدِ آدَمَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى القِطْف مِنَ الْعِنَبِ فَيُشْبِعَهُمْ، وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعَهُمْ، وَيَكُونُ الثَّوْرُ بِكَذَا وَكَذَا، مِنَ الْمَالِ، ويَكون (16) الْفَرَسُ بِالدُّرَيْهِمَاتِ.
__________
(1) زيادة من أ، وابن ماجه.
(2) في د: "الضرب"، وفي ر: ":الضريب".
(3) في ر: "العكم".
(4) زيادة من أ، وابن ماجة".
(5) زيادة من أ، وابن ماجه.
(6) في ر: "ليتقدم".
(7) في أ: "إليهم".
(8) زيادة من أ.
(9) في أ: "عز وجل".
(10) في د: "يهودي".
(11) في د: "فيقال".
(12) في أ: "يا رسول الله".
(13) في د، أ: "ويذبح".
(14) في ر، أ: "في في".
(15) في ر: "المسلم".
(16) في د: "وتكون".

الصفحة 460