كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 2)

قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ (1) الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: "لَا اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ (2) كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى قَوْمٍ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السماءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سارحتُهم أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرَي، وَأَسْبَغَهُ ضُروعا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحلين لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَيَمُرُّ بالخَرِبة فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ. فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ. ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ، فَيَقْطَعُهُ جزْلتين رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فيُقْبلُ وَيَتَهَلَّلُ (3) وَجْهُهُ وَيَضْحَكُ (4) فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكين، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَر، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحدّر مِنْهُ جُمَان كَاللُّؤْلُؤِ، وَلَا يَحل لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفسه إِلَّا مَاتَ ونَفَسُه يَنْتَهِي (5) حيث ينتهي طَرفه، فيطليه حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدّ فَيَقْتُلُهُ.
ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَوْمًا قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ ويحدِّثهم بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا (6) هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَى عِيسَى إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ.
وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَب يَنْسلون، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرية (7) فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ (8) فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرّة مَاءٌ. ويُحْصَر نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا (9) مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ ونَتْنُهم، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ البُخْت، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يكُن (10) مِنْهُ بَيْتُ مَدَر وَلَا وَبَر فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كالزلَفَة، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَخْرِجِي ثَمَرَك ورُدّي بَرَكَتَكِ. فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ العُصَابة مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بقَحْفِها، وَيُبَارِكُ اللَّهُ فِي الرَّسْل حَتَّى إِنَّ اللَّقْحَة مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ وَاللَّقْحَةَ مِنَ الفَم لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تحت آباطهم، فتقبض الله رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُون فِيهَا تهارُجَ الحُمُر، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ" (11) .
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، بِهِ. وسنذكره أيضًا
__________
(1) في د: "وذلك".
(2) في ر: "فقال".
(3) في د: "متهلل".
(4) في و: "وجهه يضحك
(5) في ر: "تنتهي".
(6) في د: "فبينما هم وهو".
(7) في ر: "الطبرية".
(8) في ر: "أحدهم".
(9) في أ: "خير".
(10) في ر: "يمكن".
(11) صحيح مسلم برقم (2137) والمسند (4/182) وسنن أبي داود برقم (4321) وسنن الترمذي برقم (2240) وسنن النسائي الكبرى برقم (10783) وسنن ابن ماجة برقم (40375) .

الصفحة 462