كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيَّ جِئْتُ تَائِبًا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيَّ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَدَقَ. وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى أَتَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ -وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ (1) فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ-فَقَالَ: هَذَا عَلِيٌّ (2) جَاءَ تَائِبًا، وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَلَا قَتْلَ. قَالَ: فتُرك مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ: وَخَرَجَ عَلِيٌّ (3) تَائِبًا مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْبَحْرِ، فَلَقُوا الرُّومَ، فَقَرَّبُوا سَفِينَتَهُ إِلَى سَفِينَةٍ مِنْ سُفُنِهِمْ (4) فَاقْتَحَمَ عَلَى الرُّومِ فِي سَفِينَتِهِمْ، فَهَرَبُوا مِنْهُ إِلَى شِقِّهَا الْآخَرِ، فَمَالَتْ بِهِ وبهم، فغرقوا جميعًا. (5)
__________
(1) في ر: "في إمرته على المدينة".
(2) في ر: "عليًا".
(3) في ر: "عليًا".
(4) في أ: "سفينتهم".
(5) تفسير الطبري (10/284) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) } .
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ، وَهِيَ إِذَا قُرِنَتْ بِالطَّاعَةِ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الِانْكِفَافَ عَنِ الْمَحَارِمِ وَتَرْكَ الْمَنْهِيَّاتِ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَهَا: {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيِ الْقُرْبَةَ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ [وَعَطَاءٌ] (1) وَأَبُو وَائِلٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيهِ. وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الْإِسْرَاءِ:57] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُفَسِّرِينَ فِيهِ (2) وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَيْهِ قَوْلَ الشَّاعِرِ (3)
إِذَا غَفَل الواشُون عُدنَا لِوصْلنَا ... وعَاد التَّصَافي بَيْنَنَا والوسَائلُ ...
وَالْوَسِيلَةُ: هِيَ الَّتِي يُتَوَصَّلُ (4) بِهَا إِلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، وَالْوَسِيلَةُ أَيْضًا: عَلَمٌ عَلَى أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ مَنْزِلَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَارُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ أَقْرَبُ أَمْكِنَةِ الْجَنَّةِ إِلَى الْعَرْشِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنكَدِر، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، إلا حَلَّتْ له الشفاعة يوم القيامة".
حَدِيثٌ آخَرُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبير، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صلُّوا عَليّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا منزلة
__________
(1) زيادة من ر.
(2) في ر: "لا خلاف فيه بين المفسرين".
(3) البيت في تفسير الطبري (10/290) .
(4) في د: "لوصلها".
الصفحة 103