كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
فَهُوَ ذَلِكَ الْمَقَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] (1) يَحْتَبِسُ أَقْوَامًا بِخَطَايَاهُمْ فِي النَّارِ مَا شَاءَ، لَا يُكَلِّمُهُمْ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ أَخْرَجَهُمْ. قَالَ: فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أُكَذِبَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا دَعْلَج بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَفْصٍ السَّدُوسي، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ المُهَلَّب، حَدَّثَنِي طَلْق بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَكْذِيبًا بِالشَّفَاعَةِ، حَتَّى لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَرَأْتُ (2) عَلَيْهِ كُلَّ آيَةٍ أَقْدِرُ عَلَيْهَا يَذْكُرُ اللَّهَ [تَعَالَى] (3) فِيهَا خُلُودَ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ: يَا طَلْقُ، أتُرَاك أَقْرَأُ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَعْلَمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (4) مِنِّي؟ إِنَّ الَّذِينَ قَرَأْتَ هُمْ أَهْلُهَا، هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَصَابُوا ذُنُوبًا فَعُذِّبُوا، ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنْهَا ثُمَّ أَهْوَى بِيَدَيْهِ (5) إِلَى أُذُنَيْهِ، فَقَالَ (6) صُمَّتًا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بَعْدَمَا دَخَلُوا". وَنَحْنُ نَقْرَأُ كَمَا قَرَأْتَ.
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) }
يَقُولُ تَعَالَى حَاكِمًا وَآمِرًا بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ، وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفي، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ؛ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا". وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ مُوَافِقًا لَهَا، لَا بِهَا، بَلْ هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ. وَقَدْ كَانَ الْقَطْعُ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فقُرِّرَ فِي الْإِسْلَامِ وَزِيدَتْ شُرُوطٌ أخَر، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا كَانَتِ الْقِسَامَةُ وَالدِّيَةُ والقرَاض وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَزِيَادَاتٌ هِيَ مِنْ تَمَامِ الْمَصَالِحِ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قَطَعَ الْأَيْدِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قُرَيْشٌ، قَطَعُوا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: "دُوَيْكٌ" مَوْلًى لِبَنِي مُلَيح بْنِ عَمْرٍو مِنْ خُزَاعة، كَانَ قَدْ سَرَقَ كَنْزَ الْكَعْبَةِ، وَيُقَالُ: سَرَقَهُ قَوْمٌ فَوَضَعُوهُ عِنْدَهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّهُ مَتَّى سَرَقَ السَّارِقُ شَيْئًا قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا؛ لِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِصَابًا وَلَا حِرْزًا، بَلْ أَخَذُوا بِمُجَرَّدِ السَّرِقَةِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ نَجْدَة الحَنَفِي قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} أَخَاصٌّ أم عام؟
__________
(1) زيادة من د.
(2) في د: "وقرأت".
(3) زيادة من ر.
(4) زيادة من د، أ.
(5) في أ: "بيده".
(6) في ر: "ثم قال".
الصفحة 107