كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
أَيِ: الْبَاطِلُ {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} أَيِ: الْحَرَامِ، وَهُوَ الرِّشْوَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ (1) أَيْ: وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَيْفَ يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَهُ؟ وَأَنَّى يَسْتَجِيبُ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ: {فَإِنْ جَاءُوكَ} أَيْ: يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْكَ {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} أَيْ: فَلَا عَلَيْكَ أَلَّا تَحْكُمَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ بِتَحَاكُمِهِمْ إِلَيْكَ اتِّبَاعَ الْحَقِّ، بَلْ مَا وَافَقَ (2) هَوَاهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ} [الْمَائِدَةِ:49] ، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أَيْ: بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَإِنْ كَانُوا ظَلَمَةً خَارِجِينَ عَنْ طَرِيقِ (3) الْعَدْلِ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى -مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِي آرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَمَقَاصِدِهِمُ (4) الزَّائِغَةِ، فِي تَرْكِهِمْ مَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ مِنَ الْكُتَّابِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ، الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِهِ وَعَدَلُوا إِلَى غَيْرِهِ، مِمَّا يَعْتَقِدُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بُطْلَانَهُ وَعَدَمِ لُزُومِهِ لَهُمْ -فَقَالَ: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}
ثُمَّ مَدَحَ التَّوْرَاةَ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، فَقَالَ: {إِنَّا أَنزلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} أَيْ: لَا يَخْرُجُونَ عَنْ حُكْمِهَا وَلَا يُبَدِّلُونَهَا وَلَا يُحَرِّفُونَهَا {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ} أَيْ: وَكَذَلِكَ الرَّبَّانِيُّونَ مِنْهُمْ وَهُمُ الْعِبَادُ الْعُلَمَاءُ، وَالْأَحْبَارُ وَهُمُ الْعُلَمَاءُ (5) {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} أَيْ: بِمَا اسْتُودِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يُظْهِرُوهُ وَيَعْمَلُوا بِهِ {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} أَيْ: لَا تَخَافُوا مِنْهُمْ وَخَافُونِي (6) {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} فِيهِ قَوْلَانِ سَيَأْتِي بَيَانُهُمَا. سَبَبٌ آخَرُ لِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ. (7)
قَالَ (8) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبيد اللَّهِ (9) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وَ {فَأُولَئِكَ (10) هُمُ الظَّالِمُونَ} [الْمَائِدَةِ:45] {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الْمَائِدَةِ:47] (11) قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ، كَانَتْ إِحْدَاهُمَا قَدْ قَهَرَتِ الْأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى ارْتَضَوْا أَوِ اصْطَلَحُوا (12) عَلَى أَنَّ كُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ الْعَزِيزَةُ مِنَ الذَّلِيلَةِ فديته خمسون
__________
(1) في ر: "ذلك".
(2) في أ: "ما يوافق".
(3) في ر: "الطريق".
(4) في ر، أ: "وقصودهم".
(5) في أ: "أي: وكذلك الربانيون والأحبار، وهم العلماء والعباد".
(6) في ر، أ: "وخافوا مني".
(7) في أ: "الكريمات".
(8) في ر: "وقال".
(9) في ر: "عبد الله".
(10) في ر، أ، هـ: "وأولئك" والصواب ما أثبتناه.
(11) في ر، أ، هـ: "وأولئك" والصواب ما أثبتناه.
(12) في ر: " ارتضوا واصطلحوا".
الصفحة 117