كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
بْنِ يَزِيدَ -أَخِي يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ-عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} نَصَبَ النَّفْسَ وَرَفَعَ الْعَيْنَ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ (1) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَفَرَّدَ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. (2)
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ ذَهَبَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، إِذَا حُكِيَ مُقَرَّرًا وَلَمْ يُنْسَخْ، كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ، وَكَمَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِينِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، حَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ عِنْدَنَا عَلَى وَفْقِهَا فِي الْجِنَايَاتِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هِيَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاسِ عَامَّةٌ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا: أَنَّ شَرْعَ إِبْرَاهِيمَ حُجَّةٌ دُونَ غَيْرِهِ، وَصَحَّحَ مِنْهَا عَدَمَ الْحُجِّيَّةِ، وَنَقَلَهَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِينِيُّ أَقْوَالًا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ "الشَّامِلِ" إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، وَقَدِ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَكَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: "أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ" وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ" (3) وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.
وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ لَا يُقْتَلُ بِهَا، إِلَّا أَنْ يَدْفَعَ وَلِيُّهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دِيَتَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ [عَنْهُ] (4) وَحُكِيَ (5) [هَذَا] (6) عَنِ الْحَسَنِ [الْبَصْرِيِّ] (7) وَعَطَاءٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ (8) [بِهِ] (9) أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلَ الْمَرْأَةَ لَا يُقْتَلُ بِهَا، بَلْ تَجِبُ (10) دِيَتُهَا.
وَهَكَذَا احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ، وَعَلَى قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فِيهِمَا، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ" (11) وَأَمَّا الْعَبْدُ فَعَنِ السَّلَفِ فِي (12) آثار
__________
(1) المسند (3/215) وسنن أبي داود برقم (3977) وسنن الترمذي برقم (2929) .
(2) في أ: "تفرد به ابن المبارك".
(3) روي من حديث عبد الله بن عباس: أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (2683) من طريق سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس. وقال البوصيري في الزوائد (2/353) : "هذا إسناد ضعيف لضعف حنش واسمه حسين بن قيس". وروي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص: أخرجه أبو داود في السنن برقم (4531) من طريق يحيى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده.
(4) زيادة من ر، أ.
(5) في ر: "ويحكى".
(6) زيادة من ر، أ.
(7) زيادة من ر، أ.
(8) في ر، أ: "وعن أحمد رواية".
(9) زيادة من أ.
(10) في ر: "وتجب"، وفي أ: "يجب".
(11) صحيح البخاري برقم (6903) .
(12) في د: "فيه".
الصفحة 121