كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
وَسُلْطَانَهُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَعَبَّدَ فَلَبِثَ فِي عِبَادَتِهِ أَيَّامًا، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَنَّكَ تُبْتَ مِنْ خَطِيئَةٍ عَمِلْتَهَا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ عَسَى أَنْ يُتَابَ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ ضَلَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فِي سَبَبِكَ حَتَّى فَارَقُوا الدُّنْيَا وَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَكَيْفَ لَكَ بِهُدَاهُمْ، فَلَا تَوْبَةَ لَكَ أَبَدًا. فَفِيهِ سَمِعْنَا وَفِي أَشْبَاهِهِ هَذِهِ الْآيَةَ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} .
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) }
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَعَنَ الْكَافِرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ، فِيمَا أَنْزَلَ (1) عَلَى دَاوُدَ نَبِيِّهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَى لِسَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ لِلَّهِ وَاعْتِدَائِهِمْ عَلَى خَلْقِهِ.
قَالَ العَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لُعِنُوا فِي التَّوْرَاةِ وَ [فِي] (2) الْإِنْجِيلِ وَفِي الزَّبُورِ، وَفِي الْفُرْقَانِ. (3)
ثُمَّ بَيَّنَ حَالَهُمْ فِيمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِي زَمَانِهِمْ، فَقَالَ: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} أَيْ: كَانَ لَا يَنْهَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحَدًا عَنِ ارْتِكَابِ الْمَآثِمِ وَالْمَحَارِمِ، ثُمَّ ذَمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِيُحَذَرَ أَنْ يُرْكَبَ مِثْلُ الَّذِي (4) ارْتَكَبُوا، فَقَالَ: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ (5) حَدَّثَنَا شَرِيك بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذيمة (6) عَنْ أَبِي عُبَيدة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي، نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ -قَالَ يَزِيدُ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَسْوَاقِهِمْ-وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ. فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ"، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: "لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطُرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا". (7) (8)
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلي، حَدَّثَنَا يُونُسُ بن راشد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذيمة، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بني
__________
(1) في د، أ: "أنزله".
(2) زيادة من ر، أ.
(3) في أ: "القرآن".
(4) في أ: "أي من ارتكب مثل ما".
(5) في أ: "يزيد بن عباس".
(6) في د: "نديمة"، وفي ر: "يديمة".
(7) في ر: "إطراء"؟.
(8) المسند (1/391) .
الصفحة 160