كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
فَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} تَضَمَّنَ وَصْفَهُمْ بِأَنَّ فِيهِمُ الْعِلْمَ وَالْعِبَادَةَ وَالتَّوَاضُعَ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِالِانْقِيَادِ لِلْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَالْإِنْصَافِ، فَقَالَ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} أَيْ: مِمَّا عِنْدَهُمْ مِنَ البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم {يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَيْ: مَعَ مَنْ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ هَذَا وَيُؤْمِنُ بِهِ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الفَلاس، عَنْ عُمَرَ (1) بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّم، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (2) قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي النَّجَاشِيِّ وَفِي أَصْحَابِهِ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (3)
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو شُبَيْل عُبَيد اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ نَافِعٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ قَتَادَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا كَرَابِينَ -يَعْنِي: فَلَّاحِينَ-قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ آمَنُوا وَفَاضَتْ أَعْيُنُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَعَلَّكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَرْضِكُمُ انْتَقَلْتُمْ (4) إِلَى دِينِكُمْ". فَقَالُوا: لَنْ نَنْتَقِلَ عَنْ دِينِنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ. (5)
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَابْنُ مَرْدويه، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ طَرِيقِ سِماك عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} أَيْ: مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّتِهِ هُمُ (6) الشَّاهِدُونَ، يَشْهَدُونَ لِنَبِيِّهِمْ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَلِلرُّسُلِ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا. ثُمَّ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. (7)
{وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} وَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ النَّصَارَى هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ [عَزَّ وَجَلَّ] (8) {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ [لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِِ] } (9) الْآيَةَ [آلِ عِمْرَانَ:199] ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ] } (10) إِلَى قَوْلِهِ {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:52-55] ؛
__________
(1) في ر، أ: "عمرو".
(2) زيادة من أ.
(3) سنن النسائي الكبرى برقم (11148) .
(4) في أ: "انقلبتم".
(5) المعجم الكبير (12/55) وقال الهيثمي في المجمع (7/18) : "فيه العباس بن الفضل الأنصاري وهو ضعيف".
(6) في د، ر، أ: "وهم".
(7) المستدرك (2/313) .
(8) زيادة من أ.
(9) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
(10) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "إلى قوله".
الصفحة 168