كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

يَمُوتَ، فَيُؤْكَلُ؟ قَالَ (1) إِنْ كَانَ قَدْ بَلَّغَ السُّحْرة، فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ وَإِنْ كَانَ أَصَابَ أَطْرَافَهُ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. قِيلَ لَهُ: وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ؟ فَقَالَ: (2) لَا يُعْجِبُنِي، هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ. قِيلَ لَهُ: فَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ فَيَشُقُّ بَطْنَهَا وَلَا يَشُقُّ الْأَمْعَاءَ؟ فَقَالَ: إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ.
هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ عَامٌّ فِيمَا اسْتَثْنَاهُ مَالِكٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي بَلَغَ الْحَيَوَانُ فِيهَا إِلَى حَالَةٍ لَا يَعِيشُ بَعْدَهَا، فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُخَصَّصٍ (3) لِلْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج أَنَّهُ قَالَ: قلت: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدَى، أَفَنَذْبَحُ بالقَصَب؟ فَقَالَ: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السنُّ والظَّفُر، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة". (4)
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] (5) مَرْفُوعًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحُّ (6) "أَلَا إِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَزْهَقَ". (7)
وَفِي (8) الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْعَشْرَاءِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلَّا مِنَ اللَّبَّةِ وَالْحَلْقِ؟ فَقَالَ: "لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخْذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ.
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (9) وَلَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا [لَمْ] (10) يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْج (11) كَانَتِ النُّصُبُ حِجَارَةً حَوْلَ الْكَعْبَةِ، قَالَ (12) ابْنُ جُرَيْجٍ: وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، كَانَ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا يَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَيَنْضَحُونَ مَا أَقْبَلَ مِنْهَا إِلَى الْبَيْتِ بِدِمَاءِ تِلْكَ الذَّبَائِحِ، وَيُشَرِّحُونَ اللَّحْمَ وَيَضَعُونَهُ عَلَى النُّصُبِ.
وَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ هَذَا الصَّنِيعِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَكْلَ هَذِهِ الذَّبَائِحِ الَّتِي فُعِلَتْ عِنْدَ النُّصُبِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ يُذْكَرُ (13) عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ فِي الذَّبْحِ عِنْدَ النُّصُبِ مِنَ الشِّرْكِ (14) الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ مَا أهل به لغير الله.
__________
(1) في ر: "فقال".
(2) في ر: "قال".
(3) في أ: "مخصوص".
(4) صحيح البخاري برقم (2507) وصحيح مسلم برقم (1968) .
(5) زيادة من د، ر.
(6) في ر، أ: "وقال".
(7) سنن الدارقطني (4/283) من طريق سعيد بن سلام، عن عبد الله بن بديل، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أبي هريرة، رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بديل بن ورقاء على أورق يصيح في فجاج منى: "ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ألا ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق". وسعيد بن سلام ضعيف قال البخاري: يذكر بوضع الحديث، وروي موقوفا على عمر بن الخطاب. رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/278) من طريق يحيى بن أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ فُرَافِصَةَ الْحَنَفِيِّ، عَنْ عُمَرَ به.
(8) في ر: "فأما"، وفي أ: "وأما"
(9) المسند (4/334) وسنن أبي داود برقم (2825) وسنن الترمذي برقم (1481) وسنن النسائي (7/228) وسنن ابن ماجة برقم (3184) .
(10) زيادة من ر.
(11) في أ: "وابن جرير".
(12) في ر: "وقال".
(13) في أ: "ولو كان قد ذكر".
(14) في أ: "من التبرك".

الصفحة 23