كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا سفيان بن حسين، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى هَذِهِ (1) الْآيَاتِ الثَّلَاثِ؟ ". ثُمَّ تَلَا {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنْ ثَلَاثِ الْآيَاتِ، ثُمَّ قَالَ: "وَمَنْ وَفَّى بِهِنَّ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا أَدْرَكَهُ (2) اللَّهُ فِي الدُّنْيَا كَانَتْ عُقُوبَتَهُ، وَمَنْ أخَّرَه إِلَى الْآخِرَةِ كَانَ أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ" (3) .
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) }
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} تَقْدِيرُهُ: ثُمَّ قُلْ -يَا مُحَمَّدُ -مُخْبِرًا عَنَّا بِأَنَّا آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ، بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}
قلت: وفي هذا نظر، وثُم هَاهُنَا إِنَّمَا هِيَ لِعَطْفِ الْخَبَرِ بَعْدَ الْخَبَرِ، لَا لِلتَّرْتِيبِ هَاهُنَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قُلْ لِمَنْ سَادَ ثُم سَادَ أبوهُ ... ثُمّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلكَ جَده (4)
وَهَاهُنَا لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} عَطَفَ بِمَدْحِ التَّوْرَاةِ وَرَسُولِهَا، فَقَالَ: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ سُبْحَانَهُ (5) بَيْنَ ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا} [الْأَحْقَافِ:12] ، وَقَوْلُهُ [فِي] (6) أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ: {قُلْ مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} [الْآيَةَ:91] ، وَبَعْدَهَا {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ} الْآيَةَ [الْأَنْعَامِ:92] ، وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [الْقَصَصِ:48] ، وَقَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ [وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ] } (7) [الْأَحْقَافِ:30] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا} أَيْ: آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ تَمَامًا كَامِلًا جَامِعًا لِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي شَرِيعَتِهِ، كَمَا قَالَ: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} الآية [الأعراف:145] .
__________
(1) في م: "هؤلاء".
(2) في أ: "فأدركه".
(3) ورواه الحاكم في المستدرك (2/318) من طريق يزيد بن هارون به.
(4) لم أعرف قائله.
(5) في أ: "الله تعالى".
(6) زيادة من أ.
(7) زيادة من م، أ، وفي هـ "الآية".
الصفحة 368