كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا (1) .
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بن إدريس، عن أبيه، عن وَهْب ابن مُنَبِّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (2) مَرْفُوعًا -فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا غَرِيبًا مُنْكَرًا رَفْعُهُ، وَفِيهِ: "أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَطْلُعَانِ يَوْمَئِذٍ مَقْرُونَيْنِ (3) وَإِذَا نَصَفا السَّمَاءَ رَجَعَا ثُمَّ عَادَا إِلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ". وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا (4) بَلْ مُنْكَرٌ، بَلْ مَوْضُوعٌ، [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] (5) إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، فَأَمَّا وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّهٍ -وَهُوَ الْأَشْبَهُ -فَغَيْرُ مَدْفُوعٍ (6) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] (7) قَالَتْ: إِذَا خَرَجَ أَوَّلُ الْآيَاتِ، طُرحت الْأَقْلَامُ، وَحُبِسَتِ الْحَفَظَةُ، وَشَهِدَتِ الْأَجْسَادُ عَلَى الْأَعْمَالِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
فَقَوْلُهُ [عَزَّ وَجَلَّ] (8) {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: إِذَا أَنْشَأَ الْكَافِرُ إِيمَانًا يَوْمَئِذٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا فِي عَمَلِهِ فَهُوَ بِخَيْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ كَانَ مخَلِّطًا فَأَحْدَثَ تَوْبَةً حِينَئِذٍ (9) لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تَوْبَتُهُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ (10) الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} أَيْ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا كَسْبُ عَمَلٍ صَالِحٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَامِلًا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِلْكَافِرِينَ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ لِمَنْ سَوَّف بِإِيمَانِهِ وَتَوْبَتِهِ إِلَى وَقْتٍ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ هَذَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، لِاقْتِرَابِ وَقْتِ الْقِيَامَةِ، وَظُهُورِ أَشْرَاطِهَا كَمَا قَالَ: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [مُحَمَّدٍ:18] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ] } (11) [غَافِرَ:84، 85] .
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) }
قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، والسُّدِّي: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} وَذَلِكَ أن اليهود
__________
(1) رواه الطبري في تفسيره (12/260) .
(2) زيادة من أ.
(3) في م، أ: "مقرونين من المغرب".
(4) ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/396، 397) وقال: إسناده واه.
(5) زيادة من م.
(6) في أ: "مرفوع".
(7) زيادة من أ.
(8) زيادة من أ.
(9) في أ: "يومئذ".
(10) في م: "عليه هذه".
(11) زيادة من: م، أ، وفي هـ: "الآية".

الصفحة 376