كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَعْرَافِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{المص (1) كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَوَّلِ "سُورَةِ الْبَقَرَةِ" عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُرُوفِ وَبَسْطُهُ، وَاخْتِلَافُ النَّاسِ فِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَرِيك، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {المص} أَنَا اللَّهُ أَفْصِلُ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير.
[قَوْلُهُ] (1) {كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ} أَيْ: هَذَا كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ، أَيْ: مِنْ رَبِّكَ، {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} قَالَ مُجَاهِدٌ، [وَعَطَاءٌ] (2) وَقَتَادَةُ والسُّدِّي: شَكٌّ مِنْهُ.
وَقِيلَ: لَا تَتَحَرَّجْ بِهِ فِي إِبْلَاغِهِ وَالْإِنْذَارِ بِهِ [وَاصْبِرْ] (3) كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِتُنْذِرَ بِهِ} أَيْ: أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِتُنْذِرَ بِهِ الْكَافِرِينَ، {وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْعَالَمِ: {اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} أَيِ: اقْتَفُوا آثَارَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي جَاءَكُمْ بِكِتَابٍ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكِهِ، {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أَيْ: لَا تَخْرُجُوا عَمَّا جَاءَكُمْ بِهِ الرَّسُولُ إِلَى غَيْرِهِ، فَتَكُونُوا قَدْ عَدَلْتُمْ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ إِلَى حُكْمِ غَيْرِهِ.
{قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يُوسُفَ: 103] . وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الْأَنْعَامِ: 116] وَقَوْلِهِ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يُوسُفَ: 106] .
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} أَيْ: بِمُخَالَفَةِ رُسُلِنَا وَتَكْذِيبِهِمْ، فَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ خِزْيُ الدُّنْيَا مَوْصُولًا بذُلِّ الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الْأَنْعَامِ: 10] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَكَأَيِّنْ (4) مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] .
__________
(1) زيادة من د.
(2) زيادة من م.
(3) زيادة من ك، م، أ.
(4) في أ: "وكأين".

الصفحة 387