كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [الْقَصَصِ: 58] .
وَقَوْلُهُ: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} أَيْ: فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ جَاءَهُ أَمْرُ اللَّهِ وَبَأْسُهُ وَنِقْمَتُهُ {بَيَاتًا} أَيْ: لَيْلًا {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} مِنَ الْقَيْلُولَةِ، وَهِيَ: الِاسْتِرَاحَةُ وَسَطَ النَّهَارِ. وَكِلَا الْوَقْتَيْنِ وَقْتُ غَفْلة ولَهْو (1) كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (2) {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُون * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الْأَعْرَافِ: 97، 98] . وَقَالَ: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِين * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النَّحْلِ: 45-47] .
وَقَوْلُهُ: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} أَيْ: فَمَا كَانَ قَوْلُهُمْ عِنْدَ مَجِيءِ الْعَذَابِ إِلَّا أَنِ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ حَقِيقُونَ بِهَذَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [وَأَنْشَأَْ بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا] خَامِدِين} (3) [الْأَنْبِيَاءِ: 11-15] .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: "مَا هَلَكَ قَوْمٌ حَتَّى يُعْذِروا مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْنُ حُمَيْد، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي سِنان، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرة الزَّرَّادِ قَالَ: قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (4) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَلَكَ قَوْمٌ حَتَّى يُعْذِروا مِنْ أَنْفُسِهِمْ". قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: كَيْفَ يَكُونُ ذَاكَ؟ قَالَ: فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (5) .
وَقَوْلُهُ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} الْآيَةَ، كَقَوْلِهِ [تَعَالَى] (6) {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [الْقَصَصِ: 65] وَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [الْمَائِدَةِ: 109] فالرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْأَلُ الْأُمَمَ عَمَّا أَجَابُوا رُسُلَهُ فِيمَا أَرْسَلَهُمْ بِهِ، وَيَسْأَلُ الرُّسُلَ أَيْضًا عَنْ إِبْلَاغِ (7) رِسَالَاتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} قَالَ: يَسْأَلُ اللَّهُ النَّاسَ عَمَّا أَجَابُوا الْمُرْسَلِينَ، وَيَسْأَلُ الْمُرْسَلِينَ عَمَّا بَلَّغُوا.
وَقَالَ ابْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الكنْدي، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْث، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (8) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فالإمام يُسْأل عن الرجل (9)
__________
(1) في ك: "لهو وغفلة".
(2) زيادة من أ.
(3) زيادة من ك، د، أ، وفي هـ "إلى قوله".
(4) زيادة من أ.
(5) تفسير الطبري (12/304) .
(6) زيادة من ك، م، أ.
(7) في ك، م: "بلاغ".
(8) زيادة من أ.
(9) في ك: "عن رعيته".

الصفحة 388