كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

ذُرِّيَّةِ هَذَا الَّذِي أَبْعَدْتَنِي بِسَبَبِهِ -عَلَى {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أَيْ: طَرِيقَ الْحَقِّ وَسَبِيلَ النَّجَاةِ، وَلَأُضِلَّنَّهُمْ (1) عَنْهَا لِئَلَّا يَعْبُدُوكَ وَلَا يُوَحِّدُوكَ بِسَبَبِ إِضْلَالِكَ إِيَّايَ.
وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: الْبَاءُ هَاهُنَا قَسَمِيَّةٌ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَبِإِغْوَائِكَ إِيَّايَ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} يَعْنِي: الْحَقَّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ (2) بْنُ سُوقَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي طَرِيقَ مَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ [كُلِّهِ] (3) .
قُلْتُ: لِمَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيل-يَعْنِي الثَّقَفِيَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَقِيلٍ -حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ أَبِي الجَعْد عَنْ سَبْرَة بْنِ أَبِي فَاكِه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ؟ ". قَالَ: "فَعَصَاهُ وَأَسْلَمَ". قَالَ: "وَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ (4) الْهِجْرَةِ فَقَالَ: أَتُهَاجِرُ وَتَدَعُ (5) أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَالْفَرَسِ فِي الطّوَل؟ فَعَصَاهُ وَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ (6) الْجِهَادِ، وَهُوَ جِهَادُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَقَالَ: تُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقَسَّمُ الْمَالُ؟ ". قَالَ: "فَعَصَاهُ، فَجَاهَدَ". قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ (7) فَمَاتَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ قُتِلَ كَانَ (8) حَقًّا عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ (9) وَقَصته دَابَّةٌ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَدْخُلَهُ الْجَنَّةَ" (10) .
وَقَوْلُهُ: {ثمَُ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ [وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وِعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] } (11) قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} أُشَكِّكُهُمْ فِي آخِرَتِهِمْ، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أُرَغِّبُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} أشبَه عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} أُشَهِّي لَهُمُ الْمَعَاصِي.
وَقَالَ [عَلِيُّ] (12) بْنُ طَلْحَةَ -فِي رِوَايَةٍ -والعَوْفي، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} فَمِنْ قِبَلِ دُنْيَاهُمْ، وَأَمَّا {مِنْ خَلْفِهِمْ} فَأَمْرُ آخِرَتِهِمْ، وَأَمَّا {عَنْ أَيْمَانِهِمْ} فَمِنْ قِبَل حَسَنَاتِهِمْ، وَأَمَّا {عَنْ شَمَائِلِهِمْ} فَمِنْ قِبَلِ سَيِّئَاتِهِمْ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ: أَتَاهُمْ {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ (13) لَا بعث ولا
__________
(1) في أ: "أفلأضلنهم".
(2) في أ: "مجاهد".
(3) زيادة من ك.
(4) في د: "في طريق".
(5) في د، ك، م، أ: "وتذر".
(6) في د: "في طريق".
(7) في د: "منهم ذلك".
(8) في ك: "وإن قتل كان"، وفي م: "وإن كان قتل".
(9) في م: "وإن".
(10) المسند (3/483) .
(11) زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".
(12) زيادة من أ.
(13) في ك: "أن".

الصفحة 394