كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 3)

وَقَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ (1) كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزُّمَرِ: 73] إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ عَلِيٌّ: فِينَا وَاللَّهِ أَهْلَ بَدْرٍ نَزَلَتْ: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} (2)
وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَرْدُويه -وَاللَّفْظُ لَهُ -مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي، فَيَكُونُ لَهُ شُكْرًا. وَكُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي فَيَكُونُ لَهُ حَسْرَةً" (3)
وَلِهَذَا لَمَا أُورِثُوا مَقَاعِدَ أَهْلِ النَّارِ مِنَ الْجَنَّةِ نُودُوا: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: بِسَبَبِ أَعْمَالِكُمْ نَالَتْكُمُ الرَّحْمَةُ فَدَخَلْتُمُ الْجَنَّةَ، وَتَبَوَّأْتُمْ مَنَازِلَكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِكُمْ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى هَذَا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدَكُمْ (4) لَنْ يُدْخِلَهُ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ". قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي الله برحمة منه وفضل" (5)
__________
(1) في ك، م، أ: "هذا".
(2) تفسير عبد الرزاق (1/217) .
(3) سنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف للمزي برقم (12492) ورواه أحمد في مسنده (2/512) والحاكم في المستدرك (2/435) من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ بِهِ، وَقَالَ: "صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(4) في أ: "أحدا".
(5) صحيح البخاري برقم (6463) وصحيح مسلم برقم (2816) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) }
يُخْبِرُ تَعَالَى بِمَا يُخَاطِبُ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ إِذَا اسْتَقَرُّوا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا [فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا] } (1) أَنْ" هَاهُنَا مفسِّرة لِلْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ، وَ"قَدْ" لِلتَّحْقِيقِ، أَيْ: قَالُوا لَهُمْ: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى فِي سُورَةِ "الصَّافَّاتِ" عَنِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَرِينٌ مِنَ الْكُفَّارِ: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الآيات:55-59]
__________
(1) زيادة من ك، م.

الصفحة 416